للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: أن الشيطان أنساه أن يذكّر ربه أمر يوسف عليه السلام ويحتمل أيضا أن يكون أنساه الشيطان ذكر الله تعالى، ولو ذكر الله عزّ وجلّ لذكر حاجة يوسف عليه السلام، وبرهان ذلك قول الله عزّ وجلّ وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف: ٤٥] فصحّ يقينا أن المذّكّر بعد أمة هو الذي أنساه الشيطان ذكر ربّه حتى تذكّر. وحتى لو صحّ أن الضمير من (أنساه) راجع إلى يوسف عليه السلام لما كان في ذلك نقص ولا ذنب.

إذ ما كان بالنسيان فلا يبعد عن الأنبياء! وأما قوله هَمَّتْ بِهِ، وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ [يوسف: ٢٤] ، فليس كما ظنّ من لم يمعن النظر حتى قال من المتأخرين من قال: (إنه قعد منها مقعد الرجل من المرأة) ومعاذ الله من هذا أن يظن برجل من صالحي المسلمين أو مستوريهم! فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم!! فإن قيل: إن هذا قد روي عن ابن عباس رضي الله عنه من طريق جيدة الإسناد، قلنا: نعم! ولا حجة في قول أحد إلّا فيما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط! والوهم في تلك الرواية إنما هي بلا شك عمّن دون ابن عباس، أو لعلّ ابن عباس لم يقطع بذلك إذ إنّما أخذه عمن لا يدري من هو، ولا شك في أنه شيء سمعه فذكره، لأنه رضي الله عنه لم يحضر ذلك ولا ذكره عن رسول الله، ومحال أن يقطع ابن عباس بما لا علم له به! لكن معنى الآية لا يعدو أحد وجهين: إمّا أنه همّ بالإيقاع بها وضربها: كما قال تعالى: وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ [غافر: ٥] ، وكما يقول القائل: لقد هممت بك، لكنه عليه السلام امتنع من ذلك ببرهان أراه الله إياه استغنى به عن ضربها. وعلم أن الفرار أجدى عليه وأظهر لبراءته، على ما ظهر بعد ذلك من حكم الشاهد بأمر قدّ القميص. والوجه الثاني: أن الكلام تمّ عند قوله وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ثم ابتدأ تعالى خبرا آخر فقال وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ وهذا ظاهر الآية بلا تكلف تأويل، وبهذا نقول. وبرهان ربه هاهنا هو النبوّة وعصمة الله عزّ وجلّ إياه، ولولا البرهان لكان يهم بالفاحشة، وهذا لا شك فيه! ولعلّ من ينسب هذا إلى النبيّ المقدس يوسف، ينزه نفسه الرذلة عن مثل هذا المقام فيهلك. وقد خشي النبيّ صلى الله عليه وسلم الهلاك على من ظن به ذلك الظن، إذ قال للأنصاريين حين لقيهما: هذه صفية «١» ! ومن الباطل الممتنع أن يظن ظان أن يوسف عليه السلام همّ بالزنى وهو يسمع قول الله تعالى: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ [يوسف: ٢٤] ،! فنسأل من


(١) أخرجه البخاريّ في: الاعتكاف، ٨- باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، حديث ١٠٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>