فعليه أن يتبع العلم. وإما أن يكون قد عرف الحق واتبع هواه، فعليه أن يتبع الحق ويدع هواه. فتبيّن أن المحتج بالقدر متبع لهواه بغير علم: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ [القصص: ٥٠] انتهى.
وله تتمة سابغة الذيل لا بأس بالوقوف عليها.
وقال القاشاني في هذه الآية: إنّما قالوا ذلك عنادا وتعنّتا عن فرط بالجهل وإلزاما للموحدين بناء على مذهبهم. إذ لو قالوا ذلك عن علم ويقين لكانوا موحدين لا مشركين بنسبة الإرادة والتأثير إلى الغير لأن من علم أنه لا يمكن وقوع شيء بغير مشيئة من الله، علم أنه لو شاء كل من في العالم شيئا، لم يشأ الله ذلك، لم يمكن وقوعه. فاعترف بنفي القدرة والإرادة عما عدا الله تعالى، فلم يبق مشركا، قال الله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا [الأنعام: ١٠٧] ، وقوله تعالى: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
[النحل: ٣٥] ، أي في تكذيب الرسل بالعناد انتهى.
وقال الإمام مفتي مصر في تفسير سورة العصر، من هذا البحث ما مثاله:
فالعقل والشرع والحس والوجدان متضافرة على أن فعل العبد فعله. وكون جميع الأشياء راجعة إلى الله تعالى ووجود الممكنات، إنما هو نسبتها إليه. ولا يتصور اعتبارها موجودة إلا إذا اعتبرت مستندة إليه. مما قام عليه الدليل بل كاد يصل إلى البداهة كذلك. ومثل هذا يقال في عظم قدرة الله تعالى. وأنه إن شاء سلبنا من القدرة والاختيار ما وهبنا. فهو أمر نشاهده كل يوم. ندبّر شيئا، ثم يأتي من الموانع من تحقيقه ما لم يكن في الحسبان. ونتناول عملا ثم تنقطع قدرتنا عن تتميمه.
كل ذلك لا نزاع فيه. شمول علم الله لما كان ولما يكون قام عليه الدليل. ولا شبهة فيه عند الملّيّين فوجب على المسلم أن يعتقد بأن الله خالق كل شيء على النحو الذي يعلمه، وأن يقرّر بنسبة عمله إليه كما هو بديهي عنده. ويعلم بما أمره به ويجتنب ما نهاه عنه باستعمال ذلك الاختيار الذي يجده من نفسه. وليس عليه بعد ذلك أن يرفع بصره إلى ما وراءه. فقد نعى الله على المشركين قولهم: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ [الأنعام: ١٤٨] ، ووردت الأحاديث متواترة المعنى في النهي عن الخوض في القدر وسره. فلو صبر العبد حق الصّبر، لوقف عند ما حد الله له، ولم ينزع بنفسه إلى تعدي حدود الله التي ضربها لعباده. ولست أحب التكلم في هذه المسألة بأكثر من هذا. وإلا خرجت من الصابرين، وخضت في القدر مع الخائضين. ومن ثار به الهوس فتوهم أن علينا أن نعتقد أن العبد لا فعل له، فقد خالف كتاب الله وعصى رسول الله. وقد أقول (واعتمادي على الله فيما أقول) إن