للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكره ابن عباس منبها على إرادته. لا أن الآية اختصت به. فتأمله فإنك تجده كثيرا في كلام ابن عباس وغيره من السلف في فهم القرآن. فيظن الظان أن ذلك هو معنى الآية التي لا معنى لها غيره، فيحكيه قوله.

وأما المثل الثاني، فهو مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لنفسه ولما يعبدون من دونه أيضا. فالصنم الذي يعبد من دونه بمنزلة رجل أبكم لا يعقل ولا ينطق. بل وهو أبكم القلب واللسان. قد عدم النطق القلبي واللساني، ومع هذا فهو عاجز لا يقدر على شيء البتة. وعلى هذا فأينما أرسلته لا يأتيك بخير. ولا يقضي لك حاجة، والله سبحانه حيّ قادر متكلم يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. وهذا وصف له بغاية الكمال والحمد. فإن أمره بالعدل، وهو الحق يتضمن أنه سبحانه عالم به معلم له، راض به آمر لعباده به، محب لأهله لا يأمر بسواه، بل تنزه عن ضده الذي هو الجور والظلم والسفه والباطل،. بل أمره وشرعه عدل كله. وأهل العدل هم أولياءه وأحباؤه.

وهم المجاورون له عند يمينه، على منابر من نور. وأمره بالعدل يتناول الأمر الشرعي الديني والأمر القدري الكوني. وكلاهما عدل لا جور فيه بوجه. كما في الحديث الصحيح «١» : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل في قضاؤك. فقضاؤه هو أمره الكوني: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢] ، فلا يأمر إلا بحق وعدل. وقضاؤه وقدره القائم به حق وعدل.

وإن كان في المقضيّ المقدّر ما هو جور وظلم فالقضاء غير المقضيّ. والقدر غير المقدّر. ثم أخبر سبحانه أنه على صراط مستقيم وهذا نظير قوله رسوله شعيب:

إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ هود: ٥٦] ، وقوله: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها نظير قوله (ناصيتي بيدك) وقوله: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ نظير قوله (عدل فيّ قضاؤك) فالأول ملكه. والثاني حمده. وهو سبحانه له الملك وله الحمد. وكونه سبحانه على صراط مستقيم يقتضي أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا بالعدل ولا يفعل إلا ما هو مصلحة ورحمة وحكمة وعدل. فهو على الحق في أقواله وأفعاله. فلا يقضي على العبد بما يكون ظالما به ولا يؤخذ بغير ذنبه. ولا ينقصه من حسناته شيئا. ولا يحمل عليه من سيئات غيره التي لم يعملها ولم يتسبب إليها شيئا. ولا يؤاخذ أحدا بذنب غيره. ولا يفعل قط ما لا يحمد عليه ويثنى به عليه ويكون له فيه


(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ١/ ٣٩١ والحديث رقم ٣٧١٢. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>