الحديث أنه كان نائما في القصة كلها إلا ما يدل عليه
(ثم استيقظت وأنا في المسجد الحرام)
فلعل قوله (استيقظت) بمعنى أصبحت. أو استيقظ من نوم آخر بعد وصوله بيته. ويدل عليه أن مسراه لم يكن طول ليلة. وإنما كان في بعضه. وقد يكون
قوله:(استيقظت وأنا في المسجد الحرام)
لما كان غمره من عجائب ما طالع من ملكوت السماوات والأرض، وخامر بطنه من مشاهدة الملإ الأعلى، وما رأى من آيات ربه الكبرى. فلم يستفق ويرجع إلى حال البشرية إلا وهو بالمسجد الحرام.
ووجه ثالث أن يكون نومه واستيقاظه حقيقة على مقتضى لفظه. ولكنه أسرى بجسده وقلبه حاضر، ورؤيا الأنبياء حق. تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
وقد مال بعض أصحاب الإشارات إلى نحو من هذا. قال: تغميض عينيه لئلا يشغله شيء من المحسوسات عن الله، ولا يصح هذا أن يكون في وقت صلاته بالأنبياء، ولعله كانت له في هذا الإسراء حالات.
ووجه رابع، وهو أن يعبر بالنوم هاهنا عن هيئة النائم من الاضطجاع. ويقويه قوله في رواية عبد بن حميد عن همام:(بينا أنا نائم وربما قال مضطجع) وفي رواية هدبة عنه (بينا أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجع) . وقوله في الرواية الأخرى (بين النائم واليقظان) فيكون سمى هيئته بالنوم لما كانت هيئة النائم غالبا. وذهب بعضهم إلى أن هذه الزيادات من النوم وذكر شق البطن ودنوّ الرب، الواقعة في هذا الحديث، إنما هي من رواية شريك عن أنس. فهي منكرة من روايته. انتهى كلام عياض. وبقيت له بقية من شاء فليراجعها.
الخامس: جملة الأقوال في الإسراء والمعراج. على ما حكاه ابن القيم في (زاد المعاد) ، ستة: بروحه وجسده وهو الذي صححوه. وقيل: كان ذلك مناما. وقيل بل يقال أسري به ولا يقال يقظة ولا مناما. وقيل كان الإسراء إلى بيت المقدس يقظة وإلى السماء مناما، وقيل: كان الإسراء مرتين، مرة يقظة ومرة مناما. وقيل بل أسري به ثلاث مرات. وكان ذلك بعد البعث بالاتفاق. وأما ما وقع في حديث شريك أن ذلك قبل أن يوحى إليه، فقيل هو غلط وقيل: الوحي هنا مقيد وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوة. والمراد قبل أن يوحى إليه في شأن الإسراء، فأسري به فجأة من غير تقدم إعلام. وقد قدمنا أن عائشة ومعاوية والحسن، نقل الأكثرون عنهم أنها رؤيا منام، وكذا حكى ابن جرير عن حذيفة إلا أن ابن القيم نبه على دقيقة غريبة. قال رحمه الله: نقل ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية أنهما قالا: إنما كان الإسراء بروحه