وقال العلامة سعدي في (حواشي البيضاوي) : والمعراج بروحه في اليقظة- وهو الذي أشار إليه ابن القيم- خارق أيضا للعادة. انتهى.
وتعقب العلامة القنوي له: بأنه نوع مراقبة وانسلاخ، والذي ذهب إليه الصوفية ساقط. لأنه فوقه بكثير. بل غيره كما تبين قبل. وبالجملة، فالذي فهمه الأكثرون من قول عائشة ومعاوية وحذيفة والحسن أن ذلك رؤيا منام. وما ذكره ابن القيّم من أنه إسراء بالروح- فيحتمله اللفظ المأثور عنهم.
ونظيره قول بعضهم: إن ذلك كان أمرا إعجازيا. والحقيقة أنه كشف روحانيّ.
وقد قرروا في عدم استحالة كونه يقظة بالروح والجسم أن خالق العالم قادر على كل الممكنات. وحصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد في جسده صلى الله عليه وسلم ممكن. فوجب كونه تعالى قادرا عليه. وغاية ما في الباب أنه خلاف العادة.
والمعجزات كلها كذلك. وفي (العقائد النسفية وحواشيها) : الخرق والالتئام على السموات جائز. لأن الأجسام كلها متماثلة في تركبها من الجواهر الفردة، فيصح على كلّ ما يصح على الآخر. فالأجسام العنصرية قابلة للخرق والالتئام. وكذا الأجسام الفلكية. والله تعالى قادرا على الممكنات كلها. فيكون قادرا على الخرق في السموات، لأنه ممكن فيها. وفي الرازيّ براهين أخر. فانظرها.
جاء في كتاب (إظهار الحق) أن بعض أهل الكتاب مارى في المعراج، فبكّت بأن صعود الجسم العنصريّ إلى الأفلاك صرّحت به التوراة الموجودة لديهم في (أخنوخ) . وأنه نقل حيّا إلى السماء لئلا يرى الموت. كما في الفصل الخامس من سفر التكوين. وصرّحت في صعود (إليا) في الفصل الثاني من سفر الملوك. وفي إنجيل مرقس في الفصل السادس عشر التصريح برفع المسيح عليه السلام إلى السماء. انتهى.
أقول: أخنوخ هو إدريس عليه السلام المنوّه به في قوله تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [مريم: ٥٧] ، وإيليا نبيّ أرسل إلى آحاب أحد ملوك اليهود الكفرة، الذين شهروا عبادة بعل وغيره من الأصنام بالسامرة. وتسمى الآن: سبسطيّة: من قسم الأرض المقدسة زعموا أنه ظهرت على يد إيليا خوارق باهرة. وأنه قتل سدنة بعل وهدم مذبحه. إلى أن ارتفع في مركبة نارية وخيل نارية نحو السماء. جانب نهر الأردن في بطاح أريحا. شاهده خليفته اليشاع النبيّ بعده. كذا في تاريخ الكتاب المقدس، و (إيليا) هو إلياس، و (اليشاع) هو اليسع المذكوران في القرآن المجيد