وقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ مطلق في آناء الليل، يتناول المغرب والعشاء. أفاد ذلك تقيّ الدين ابن تيمية في فتواه في (المواقيت الكبرى) .
الثالث: هذه الآية من الآيات التي أمر تعالى فيها بإقامة الصلاة لوقتها. قال ابن تيمية. عليه الرحمة، في فتواه المتقدمة: وقت الصلاة وقتان. وقت الرفاهية والاختيار. ووقت الحاجة والعذر. فالوقت في حال الرفاهية خمسة أوقات كما
في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال «١» : (وقت الظهر ما لم يصر ظل كل شيء مثله. ووقت العصر ما لم تصفرّ الشمس. ووقت المغرب ما لم يغب نور الشفق. ووقت العشاء إلى نصف الليل. ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس) وقد روي هذا الحديث من حديث أبي هريرة في السنن
. ولم يرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في المواقيت حديث من قوله إلا هذا. وسائر ما روي فعل منه، والأحاديث الصحيحة المتأخرة من فعله توافق هذا الحديث. ولهذا ما في هذا الحديث من المواقيت هو الصحيح عند الفقهاء العارفين بالحديث. والنزاع بين العلماء في آخر وقت الظهر، وأول وقت العصر وآخره، وآخر وقت المغرب. وآخر وقت العشاء وآخر وقت الفجر.
فالجماهير من السلف والخلف من فقهاء الحديث وأهل الحجاز وقت الظهر عندهم من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله. سوى الفيء الذي زالت عليه الشمس، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: إلى أن يصير ظلّ كل شيء مثليه، ثم يدخل وقت العصر عند الجمهور، وعند أبي حنيفة إنما يدخل إذا صار ظل كل شيء مثليه، ونقل عنه، أن ما بين المثل إلى المثلين ليس وقتا لا للظهر ولا للعصر. وعلى قول الجمهور، فهل آخر هذا أول هذا أو بينهما قدر أربع ركعات مشترك؟ فيه نزاع. فالجمهور على الأول، والثاني منقول عن مالك. وإذا صار ظل كل شيء مثليه، خرج وقت العصر في إحدى الروايتين عن أحمد. وهو منقول عن مالك والشافعي مع خلاف في مذهبهما. والصحيح أن وقتها ممتد بلا كراهة إلى اصفرار الشمس. وهو الرواية الثانية عن أحمد. كما نطق به حديث عبد الله بن عمرو، مما عمل به النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، بعد عمله بمكة. وهذا قول أبي
(١) أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ١٧٣.