للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف ومحمد. فلم يكن للعصر وقت متفق عليه. ولكن الصواب المقطوع به، الذي تواترت به السنن واتفق عليه الجماهير أن وقتها يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله. وليس مع القول الآخر نقل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا ضعيف. ولكن الأمراء الذين كانوا يؤخرون الصلاة. لمّا اعتادوا تأخير الصلاة، واشتهر ذلك، صار يظن من يظن أنه السنة. وقد احتج له بالمثل المضروب المسلمين وأهل الكتاب. ولا حجة فيه لاتفاق أهل الحساب على أن وقت الظهر أطول من وقت العصر، الذي أوّله إذا صار ظل كل شيء مثليه.

وأما أوقات الحاجة والعذر فهي ثلاثة: من الزوال إلى الغروب. ومن الغروب إلى الفجر ومن الفجر إلى طلوع الشمس. فالأول وقت الظهر والعصر عند العذر. واتسع فيها وفيهما من وجهين: أحدهما تقديم العصر إلى وقت الظهر، كما قدمها النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم عرفة. وكما كان يقدمها في سفرة تبوك. إذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس.

وتقديم العشاء إلى المغرب في المطر. فهذا جمع تقديم. والثاني جمع تأخير، العصر فيها إلى الغروب.

لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «١» : من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر. ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر

. مع

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (وقت العصر ما لم تصفرّ الشمس)

وأنه لم يؤخر الصلاة قط إلى الاصفرار. ويوم الخندق كان التأخير إلى بعد الغروب. وهو منسوخ في أشهر قولي العلماء بقوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [البقرة: ٢٣٨] ، وهذا مذهب مالك والشافعيّ، وأحمد في أشهر الروايتين عنه وقيل: يخير حال القتال في التأخير والصلاة في الوقت بحسب الإمكان. وهو الرواية الأخرى عنه. وقيل: بل يؤخرها. وهو قول أبي حنيفة أيضا

ففي الحديث الصحيح «٢» عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك الصلاة المنافق. يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا)

. فوصف صلاة المنافق بالتأخير إلى حين الغروب والنقر.

فدل على المنع من هذا وهذا. فلما قال صلى الله عليه وسلم هذا وهذا، علم أن الوقت وقتان. فمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك مطلقا. وليس له أن يؤخر إلى ذلك الوقت مع إمكان الصلاة قبله. بخلاف من لا يمكنه الصلاة قبل ذلك.


(١) أخرجه البخاريّ في: مواقيت الصلاة، ٢٨- باب من أدرك من ركعة، حديث رقم ٣٦٠ (عن أبي هريرة) . وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم ١٦١ و ١٦٢ و ١٦٣ و ١٦٤.
(٢) أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم ١٩٥ عن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>