أتت اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسألوه عن الروح. فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء. فأنزل الله عز وجل الآية
. فهذا يدل على ضعف حديث السدّي، وأن السؤال كان بمكة، فإن هذا الحديث وحديث ابن مسعود صريح أن السؤال كان بالمدينة مباشرة من اليهود. ولو كان قد تقدم السؤال والجواب بمكة، لم يسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ولبادر إلى جوابهم بما تقدم من إعلام الله له، وما أنزل الله عليه. وقد اضطربت الروايات عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أعظم اضطراب. فإما أن تكون من قبل الرواة، أو تكون أقواله قد اضطربت فيها. ثم ساق ابن القيم الروايات عنه مسندة، ثم قال: والروح في القرآن على عدة أوجه:
أحدها: الوحي، كقوله تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢] ، وقوله: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [غافر: ١٥] ، وسمى الوحي روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح.
الثاني: القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين، كما قال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة: ٢٢] .
الرابع: الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله. وقد قيل إنها الروح المذكورة في قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ [النبأ: ٣٨] ، وإنها الروح المذكورة في قوله: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [القدر: ٤] .
الخامس: المسيح عيسى ابن مريم. قال تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: ١٧١] ، أما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها بالقرآن إلا بالنفس، قال تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر: ٢٧] ، وقال: وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة: ٢] ، وقال: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف: ٥٣] ، وقال: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ [الأنعام: ٩٣] ، وقال: