للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أطلع الخضر عليه السلام، لم يجز له ذلك، وما ورد عن ابن عباس (لما كتب إليه نجدة الحروريّ: كيف قتله وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل الوالدان؟ فكتب إليه: إن كنت علمت من حال الولدان، ما علمه عالم موسى، فلك أن تقتل) فإنما قصد به ابن عباس المحاجّة والإحالة على ما لم يمكن قطعا، لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر عليه الصلاة والسلام. وليس مقصوده أنه إن حصل ذلك يجوز. لأنه لا تقتضيه الشريعة. وكيف يقتل بسبب لم يحصل؟ والمولود لا يوصف بكفر حقيقي ولا إيمان حقيقي. وقصة الخضر تحمل على أنه كان شرعا مستقلا به. وهو نبيّ.

وليس في شريعة موسى أيضا، ولذا أنكره. انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما، فصحيح. لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع. فلا يسوغ الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسا كثيرة، قبل أن يتعاطى شيئا من ذلك.

وإنما فعل الخضر ذلك لاطلاع الله تعالى عليه.

وقال ابن بطال: قول الخضر (وأمّا الغلام فكان كافرا) هو باعتبار ما يؤول إليه أمره أن لو عاش حتى يبلغ. واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلا الله. ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده.

أقول: مفاد الآية، أن إنكار موسى لقتل الغلام لكونه جناية بغير موجب. ولذا قال (بغير نفس) لا لكونه صغيرا لم يبلغ الحنث. لأن الآية لا تفيده. وقد يكون كبيرا. فقد قال اللغويون: الغلام الطارّ الشارب، أو من حين يولد إلى أن يشبّ، والكهل أيضا. ومن الأخير قول موسى في قصة الإسراء

عن النبيّ «١» صلى الله عليه وسلم: «أبكي لأن غلاما بعث بعدي»

. إلخ نعم ربما يشعر بصغره حديث البخاريّ: وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما فذبحه قال موسى: أقتلت نفسا لم تعمل بالحنث. ولكن لا نصّ فيه، فتأمل.

السادس: أكثر العلماء على أن موسى المذكور في الآية، هو موسى بن عمران صاحب الآيات الشهيرة وصاحب التوراة. وذهب نوف البكاليّ- تابعي صدوق ابن امرأة كعب الأحبار أو ابن أخيه- إلى أنه ليس بموسى بن عمران كما في البخاريّ «٢» . ووقع في رواية ابن إسحاق عن سعيد بن جبير، عند (النسائيّ) قال:


(١) أخرجه البخاري في: بدء الخلق، ٦- باب ذكر الملائكة، حديث ١٥١٣، عن مالك بن صعصعة. [.....]
(٢) أخرجه البخاري في: العلم، ٤٤- باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم، فيكل العلم إلى الله، حديث رقم ٦٤، عن أبي بن كعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>