للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرية. أو (استطعماهم) لأنه صفة (أهل) فلا بد له من وجه. وقد أجابوا عنه بأجوبة مطولة نظما ونثرا. والذي تحرر فيه أنه ذكر (الأهل) أولا ولم يحذف إيجازا، سواء قدر أو تجوز في القرية، كقوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] ، لأن الإتيان ينسب للمكان. نحو (أتيت عرفات) ولمن فيه نحو (أتيت بغداد) فلو لم يذكر كان فيه التباس مخلّ. فليس ما هنا نظير تلك الآية لامتناع سؤال نفس القرية، فلا يستعمل استعمالها. وأما (الأهل) الثاني فأعيد لأنه غير الأول. وليست كل معرفة أعيدت عينا كما بينوه. لأن المراد به بعضهم. إذ سؤالهم فردا فردا مستبعد. فلو لم يذكر، فهم غير المراد. أما لو قيل: (استطعماهم) فظاهر. وأما لو قيل (استطعماها) فإن النسبة إلى المحل تفيد الاستيعاب، كما أثبتوه في محله. وأما إتيان جميع القرية فهو حقيقة في الوصول إلى بعض منها. كما يقال: (زيد في البلد) أو (في الدار) وقيل: إن الأهل أعيد للتأكيد كقوله:

ليت الغراب غداة ينعب بيننا ... كان الغراب مقطّع الأوداج

أو لكراهة اجتماع ضميرين متصلين، لبشاعته واستطالته، وثمة أجوبة أخرى.

الرابع- أبدى بعضهم سرّا للتعبير أولا (بتستطع) ثم أخيرا (بتسطع) بحذف التاء قال: لما أن فسر الخضر لموسى، وبين له تأويل ما لم يصبر معه، ووضحه وأزال المشكل، قال (تسطع) بحذف التاء. وقيل ذلك كان الإشكال قويا ثقيلا. فقال:

سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فقابل الأثقل بالأثقل والأخف بالأخف.

كما قال: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ [الكهف: ٩٧] ، وهو الصعود إلى أعلاه، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً وهو أشق من ذلك. فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى.

انتهى.

وقال الشهاب: وإنما خص هذا بالتخفيف لأنه لما تكرر في القصة ناسب تخفيف الأخير منه. وأما كونه للإشارة إلى أنه خف على موسى صلى الله عليه وسلم ما لقيه ببيان سببه- فيبعد أنه في الحكاية، لا المحكي. انتهى.

وما ألطف قول الشهاب في مثله: هذه زهرة لا تحتمل هذا الفرك.

الخامس- قال الإمام السبكيّ رحمه الله: ما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام من قتل الغلام لكونه طبع كافرا، مخصوص به. لأنه أوحي إليه أن يعمل بالباطن، وخلاف الظاهر الموافق للحكمة. فلا إشكال فيه. وإن علم من الشريعة أنه لا يجوز قتل صغير لا سيما بين أبوين مؤمنين. ولو فرضنا أن الله أطلع بعض أوليائه، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>