الثامن: اختلف أهل العلم في نسب الخضر وفي كونه نبيّا وفي طول عمره وبقاء حياته على أقوال كثيرة. فمن قائل بأنه ابن آدم لصلبه أو ابن قابيل أو ابن اليسع، أو غير ذلك، وكله مما ليس فيه أثارة من علم، وقد احتج من قال إنه نبيّ بقوله تعالى: وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي لأن الظاهر من هذا أنه فعله بأمر الله. والأصل عدم الواسطة. وقيل: كان وليّا. وقيل: مقامه دون النبوة وفوق الصّديقيّة فهو مقام برزخيّ، له وجه إلى النبوة ووجه إلى الولاية. وقيل: إنه ملك من الملائكة. وأما تعميره فيروى عن ابن عباس أنه أنسئ للخضر في أجله حتى يكذب الدجال.
قال النوويّ في (التهذيب) قال الأكثرون: هو حيّ موجود بين أظهرنا. وذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة. وحكاياتهم في رؤيته، والاجتماع به، والأخذ عنه، وسؤاله، ووجوده في المواضع الشريفة، أكثر من أن تحصى وأشهر من أن تذكر.
وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث: إنه مات.
وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: وأما رواية اجتماعه مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهل البيت، فلا يصح من طرقها شيء. ولا يثبت اجتماعه مع أحد من الأنبياء، إلا مع موسى. وجميع ما ورد في حياته لا يصح منه شيء، باتفاق أهل النقل. وأما ما جاء من المشايخ فهو مما يتعجب منه. كيف يجوز لعاقل أن يلقى شيخا لا يعرفه فيقول له: أنا فلان فيصدقه؟؟؟. انتهى كلامه ملخصا.
وتمسك من قال بتعميره بقصة عين الحياة، واستند إلى ما وقع من ذكرها في صحيح البخاريّ وجامع الترمذيّ. ولكن لم يثبت ذلك مرفوعا.
وقال أبو حيان في (تفسيره) : الجمهور على أن الخضر مات. وبه قال ابن أبي الفضل المرسيّ. لأنه لو كان حيا لزمه المجيء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم والإيمان به واتّباعه.
وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا اتباعي
. وبذلك جزم ابن المناويّ وإبراهيم الحربيّ وأبو طاهر العباديّ. وممن جزم بأنه غير موجود الآن، أبو يعلى الحنبليّ وأبو الفضل بن ناصر والقاضي أبو بكر بن العربيّ، وأبو بكر بن النقاش وابن الجوزيّ. واستدل على ذلك بأدلة. منها قوله تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: ٣٤] ، قال أبو الحسين ابن المناوي: بحثت عن تعمير الخضر، وهل هو باق أم لا! فإذا أكثر المغفلين مفترون بأنه باق من أجل ما روي في