للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، والأحاديث المرفوعة في ذلك واهية. والسند إلى أهل الكتاب ساقط لعدم ثقتهم. وخبر مسلمة بن مصقلة كالخرافة. وخبر رياح كالريح. وما عدا ذلك من الأخبار، كلها واهية الصدر والأعجاز. لا يخلو حالها من أمرين: إما أن تكون أدخلت على الثقات استغفالا، أو يكون بعضهم تعمد ذلك. وقد قال تعالى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ.

قال صاحب (فتح البيان) : والحق ما ذكرناه عن البخاريّ وأضرابه في ذلك. ولا حجة في قول أحد كائنا من كان إلا الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم. ولم يرد في ذلك نص مقطوع به، ولا حديث مرفوع إليه صلى الله عليه وسلم، حتى يعمد عليه ويصار إليه. وظاهر الكتاب والسنة نفي الخلد، وطول التعمير لأحد من البشر. وهما قاضيان على غيرهما ولا يقضي غيرهما عليهما. ومن قال إنه نبيّ أو مرسل أو حيّ باق، لم يأت بحجة نيّرة ولا سلطان مبين. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. انتهى.

وقال تقيّ الدين بن تيمية عليه الرحمة والرضوان في بعض فتاويه، في ترائي الجن للإنس في بعض البلاد، ما مثاله: وفيه كثير من الجن وهم رجال الغيب الذين يرون أحيانا في هذه البقاع قال تعالى وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً [الجن: ٦] .

وكذلك الذين يرون الخضر أحيانا هو جنيّ رأوه. وقد رآه غير واحد ممن أعرفه وقال (إنني) وكان ذلك جنيّا لبّس على المسلمين الذين رأوه. وإلا فالخضر الذي كان مع موسى عليه السلام مات. ولو كان حيّا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوجب عليه أن يأتي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ويؤمن به ويجاهد معه. فإن الله فرض على كل نبيّ أدرك محمدا، أن يؤمن به ويجاهد معه. كما قال الله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: ٨١] . قال ابن عباس رضي الله عنه: لم يبعث الله نبيّا إلا أخذ عليه الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه.

ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر، ولا أنه أتى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم. فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدرا، من أن يلبّس الشيطان عليهم. ولكن لبّس على كثير من بعدهم. فصار يتمثل لأحدهم في صورة النبيّ ويقول: أنا الخضر. وإنما هو شيطان.

كما أن كثيرا من الناس يرى ميته خرج، وجاء إليه، وكلمه في أمور، وقضاء حوائج،

<<  <  ج: ص:  >  >>