للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيظنه الميت نفسه. وإنما هو شيطان. تصور بصور. انتهى.

التاسع- دل قوله تعالى: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، على أن من العلم علما غيبيّا وهو المسمى بالعلم اللدنّي. فالآية أصل فيه. وقد ألف حجة الإسلام الغزاليّ، عليه الرحمة، رسالة في إثبات هذا العلم. ردّ على من أنكر وجوده. وذكر عليه الرحمة أولا طرفا من مراتب العلوم الظاهرية المعروفة. ثم جوّد الكلام في إثباته. ولا بأس بإيراد شذرة مما قرره فيه. قال قدس سره. اعلم أن العلم الإنسانيّ يحصل من طريقين: أحدهما من التعليم الإنسانيّ والثاني من التعليم الربانيّ. أما الطريق الأول، وهو التعليم الإنسانيّ، فطريق معهود مسلوك محسوس. ويكون على وجهين:

أحدهما من خارج وهو التحصيل بالتعلّم. والآخر من داخل وهو الاشتغال بالتفكر.

والتفكر في الباطن بمنزلة التعليم في الظاهر. فإن التعلم استفادة الشخص من الشخص الجزئيّ. والتفكر استفادة النفس من النفس الكليّ. والنفس الكليّ أشد تأثيرا وأقوى تعليما من جميع العقلاء والعلماء. والعلوم مركوزة في أصل النفوس بالقوة. كالبذر في الأرض والجوهر في قعر البحر، أو في قلب المعدن. والتعلم هو طلب خروج ذلك الشيء الذي بالقوة إلى الفعل. والتعليم هو إخراجه من القوة إلى الفعل. فنفس المتعلم تتشبّه بنفس العالم وتتقرب إليه بالنسبة. فالعالم بالإفادة كالزارع. والمتعلم بالاستفادة كالأرض. والعلم الذي هو بالقوة كالبذر. والذي هو بالفعل، كالنبات. وإذا كملت نفس المتعلم يكون كالشجر المثمر أو كالجوهر الظاهر من قعر البحر. وإذا غلبت القوى البدنية على النفس يحتاج المتعلم إلى زيادة التعلم في طول المدة. ويحمل التعب في طلب الفائدة، وإذا غلب نور العقل على أوصاف الحسّ يستغني الطالب بقليل التفكر عن كثير التعلم، فإن نفس العاقل تجد من الفوائد بتفكر ساعة، ما لا تجد نفس الجاهل بتعلم سنة. فإذن بعض الناس يحصلون العلم بالتعلم وبعضهم بالتفكر. ثم قال قدس سره: والطريق الثاني وهو التعليم الربانيّ. وذلك على وجهين: إلقاء الوحي وهو النفس إذا كملت بذاتها تزول عنها دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل. وينفصل نظرها عن شهوات الدنيا وينقطع نسبها عن الأماني الفانية. وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها. وتتمسك بجود مبدعها. وتعتمد على إفادته وفيض نوره. فالله تعالى بحسن عنايته يقبل على تلك النفس إقبالا كليّا، وينظر إليها نظرا إلهيّا، ويتخذ منها لوحا، ومن النفس الكليّ قلما وينقش فيها علومه. ويصير العقل الكليّ كالمعلم والنفس القدسيّ كالمتعلم.

فتحصل جميع العلوم لتلك النفس وتنتقش فيها جميع الصور من غير تعلم وتفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>