بأن مذهب أرسطاطاليس حقّ وصدق. وذلك مما لا سبيل إليه) فلا يخفى دفع هذا اللزوم. فإن من كان تابعا لمذهب فمدح لأمر ما يوجب مدحه لأجله، فلا يلزم أن يكون المدح لأجل مذهبه ومتبوعه. إذ قد يقوم فيه من الخلال والمزايا ما لا يوجد في متبوعه. وقد يبدو له من الأنظار الصحيحة ما لا يكون في مذهبه الذي نشأ عليه مقلدا. أفلا يمكن أن يكون حرّا في فكره ينبذ التقليد الأعمى ويعتنق الحق. ومن آتاه الله من الملك ما آتاه، أفيمتنع أن يؤتيه من تنور الفكر وحرية الضمير ونفوذ البصيرة ما يخالف به متبوعه. هذا على فرض أن متبوعه مذموم. وقد عرفت أن متبوعه (أعني أرسطاطاليس) ، كان موحدا. وهو معروف في التاريخ لا سترة فيه.
على أنه لو استلزمت الآية مدح مذهب أستاذه لكان ذلك في الأصول التي هي المقصودة بالذات، وكفى بها كمالا. وللرازيّ فرض يغتنم بها التنويه بالحكماء والتعريف لمذهبهم، وهذه منها. وإن صبغها- سامحه الله- في هذا الأسلوب.
عرف ذلك من عرف.
التنبيه الثالث: اختلف في سبب تلقيبه بذي القرنين. فقيل لأنه طاف قرني الدنيا. يعني جانبيها شرقها وغربها. أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان. أو لأنه ملك الروم وفارس.
قال الزمخشريّ: ويجوز أن يلقب بذلك لشجاعته، كما يسمى الشجاع كبشا لأنه ينطح أقرانه.
أقول: هذا اللقب من الكناية عن كل ذي قوة وبأس وسلطان. لأن ذا القرون من المواشي أقواها وأشدها. والكناية بالقرن عن القوة والسلطان معروفة عند اليهود، الذين هم السائلون. وقد وقع في توراتهم في نبوة دانيال عليه السلام قوله عن الملك:(فإذا أنا بكبش واقف عند النهر. وله قرنان) ثم قوله: (وبينما كنت متأملا إذا بتيس معز قد أقبل من المغرب على وجه الأرض كلها. وللتيس قرن عجيب المنظر بين عينيه) قالوا: القرن هنا رمز إلى القوة والسلطان. والتيس رمز إلى مملكة اليونان.
وقرنه رمز إلى أول ملك على هذه المملكة وهو الإسكندر الكبير. وما أشار إليه من سرعة مسير هذا التيس إيماء إلى كثرة ما دهم البلاد به من الغارات المتواصلة. قوله:
(خرج من المغرب) إشارة إلى خروجه من مكدونية، التي هي إلى غرب فارس، وذلك حين تقدم على جيوش داريوس وكسره. وتعقبه إلى داخل مملكته. والقصد أن هذا اللقب (ذو القرنين) شهير وليس من أوضاع العرب خاصة. كما زعمه بعضهم. بل هو معروف عند العبرانيين أيضا. وقد يظهر أنه من رموزهم الخاصة التي سرت إلى العرب. وأقرتهم عليها.