للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التنبيه الرابع- قال الرازيّ: اختلفوا في ذي القرنين. هل كان من الأنبياء أم لا؟

منهم من قال: إنه كان نبيّا. واحتجوا عليه بوجوه:

الأول- قوله: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ والأولى حمله على التمكين في الدين. والتمكين الكامل في الدين هو النبوة.

الثاني- قوله: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً ومن جملة الأشياء النبوة.

فمقتضى العموم في قوله: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً هو أنه تعالى آتاه من النبوة سببا.

الثالث- قوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً والذي يتكلم الله معه لا بد وأن يكون نبيّا.

ومنهم من قال إنه عبدا صالحا وما كان نبيّا. انتهى.

ثم قال الرازيّ بعد: يدلّ قوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ على أنه تعالى تكلم معه من غير واسطة. وذلك يدل على أنه كان نبيّا. وحمل هذا اللفظ على أن المراد أنه خاطبه على ألسنة بعض الأنبياء- فهو عدول عن الظاهر. انتهى.

ولا يخفى ضعف الاستدلال بهذه الأدلة على نبوته. لأن مقام إثباتها يحتاج إلى تنصيص وتخصيص. وأما تعمق الجري وراء العمومات، لاستفادة مثل ذلك، فغير مقنع.

وأما قوله تعالى: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ فقدمنا أنه كناية عن تمكينه تعالى له منهم. لا أنه قول مشافهة. وإلا لو كان ذلك لكان مخيرا منه تعالى وملقنا ما يفعل بهم. فأنى يسوغ له نقضه باجتهاد آخر. ولا يقال إن الأصل في الإطلاق الحقيقة. لأنا نقول به، ما لم يمنع منه مانع، من نحو ما ذكرناه. وللتنزيل الكريم أسلوب خاص، عرفه من أنعم النظر في بديع بيانه. نعم. لو كان مراد القائل بنبوته أنه من الملهمين- ذهابا في النبوة إلى المعنى الأعم من الإيحاء بشرع، ومن الإلهام، لكان قريبا.

فتكون نبوته من القسم الثاني وهو الإلهام. ويطلق الصوفية على مثله الوارد. وجاء في الحديث تسمية صاحبه «١» محدّثا. وإطلاق النبوة عليه، وإن كان محظورا في الإسلام، إلا أنه كان معروفا قبله في العباد الأخيار.


(١)
أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٥٤- باب حدثنا أبو اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم، فإنه عمر بن الخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>