التنبيه الخامس- حكي في قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قولان في أن السائلين هم اليهود أو غيرهم. ورجّح الأول من وجهين:
أولهما- أن للإسكندر عند اليهود شأنا وقدرا. وذلك لما حكي أنه لما فتح غزة ودنا من بيت المقدس، خرج إليه رئيس أحبارها وقدم إليه الطاعة. فدخلها إسكندر وسمع نبوة التوراة فسرّ وأحسن إلى اليهود. وتعقب بعض المؤرخين هذه الرواية بأنها غير مأثورة في كتب اليونان، ولم يروها أحد من مؤرخيهم.
ثانيهما- أن عنوان (ذو القرنين) من رموز الإسرائيليين كما قدمناه عنهم.
التنبيه السادس- قالوا: المراد ب (العين الحمئة) البحر المحيط. وتسميته عينا لكونه بالنسبة لعظم قدرته تعالى، كقطرة. وإن عظم عندنا. قالوا: رأى الشمس في منظره تغرب في البحر. وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله، يراها كأنها تغرب فيه. وهي لا تفارق فلكها.
وللإمام ابن حزم عليه الرحمة- رأي آخر في الآية. ذكره في كتاب (الملل) في بحث كروية الأرض قال: ذو القرنين هو كان في العين الحمئة الحامية كما تقول (رأيتك في البحر) تريد أنك إذا رأيته كنت أنت في البحر. وبرهان هذا أن مغرب الشمس لا يجهل مقدار عظيم مساحته إلا جاهل. ومقدار ما بين أول مغربها الشتويّ إذا كانت من آخر رأس الجدي إلى آخر مغربها الصيفيّ إذا كانت من رأس السرطان- مرئيّ مشاهد. ومقداره ثمان وأربعون درجة من الفلك. وهو يوازي من الأرض كلها بالبرهان الهندسيّ أقل من مقدار السدس. يكون من الأميال نحو ثلاثة آلاف ميل ونيّف. وهذه المساحة لا يقع عليها في اللغة اسم (عين) البتة. لا سيما أن تكون (عينا حمئة) حامية. وباللغة العربية خوطبنا. فلما تيقنا أنها (عين) بإخبار الله عز وجل، الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، علمنا يقينا أن ذا القرنين انتهى به السير في الجهة التي مشى فيها من المغارب إلى العين المذكورة.
وانقطع له إمكان المشي بعدها لاعتراض البحار له هنالك. وقد علمنا بالضرورة أن ذا القرنين وغيره من الناس، ليس يشغل من الأرض إلا مقدار مساحة جسمه فقط.
قائما، أو قاعدا أو مضطجعا. ومن هذه صفته، فلا يجوز أن يحيط بصره من الأرض، بمقدار مكان المغارب كلها، لو كان مغيبها في عين من الأرض. كما يظن أهل الجهل. ولا بد من أن يلقى خطّ بصره من حدبة الأرض، ومن نشر من أنشازها، ما يمنع الخط من التمادي، إلا أن يقول قائل: إن تلك العين هي البحر فلا يجوز أن