للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذلك. بل الرأفة به أن يعان على شرب الدواء وإن كان كريها، مثل الصلاة وما فيها من الأذكار والدعوات وأن يحمى عما يزيد علته. ولا يظن أنه إذا استمتع بمحرم يسكن بلاؤه. بل ذلك يوجب له زيادة في البلاء. فإنه وإن سكن ما به عقيب استمتاعه، أعقبه ذلك مرضا عظيما لا يتخلص منه، بل الواجب دفع أعظم الضررين باحتمال أدناهما قبل استحكام الداء. ومن المعلوم أن ألم العلاج النافع أيسر من ألم المرض الباقي. وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية أدوية نافعة. وهي من رأفة الله بعباده، الداخلة في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء:

١٠٧] ، فمن ترك هذه الرحمة النافعة، لرأفة بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه، وإن كان لا يريد إلا الخير، إذ هو في ذلك جاهل أحمق، كما يفعله بعض النساء بمرضاهن وبمن يربينهن من أولادهن في ترك تأديبهم على ما يأتونه من الشر ويتركونه من الخير. ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض وبرودة القلب والدياثة. وهو في ذلك من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظرائه.

وهو بمنزلة جماعة مرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم، فوجد كبيرهم مرارته، فترك شربه. ونهى عن سقيه للباقين. ومنهم من تأخذه الرأفة لكون أحد الزانيين محبوبا له. إما لقرابة أو مودة أو إحسان، أو لما يرجوه منه، أو لما في العذاب من الألم الذي يوجب رقة القلب. ويتأوّل «١»

(إنّما يرحم الله من عباده الرّحماء)

وليس كما قال. بل ذلك وضع الشيء في غير موضعه. بل

قد ورد «٢»

(لا يدخل الجنة ديوث)

فمن لم يكن مبغضا للفواحش كارها لها ولأهلها، ولا يغضب عند رؤيتها وسماعها، لم يكن مريدا للعقوبة عليها. فيبقى العذاب عليها يوجب ألم قلبه، قال تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ الآية. في دين الله هو طاعته وطاعة رسوله. المبنيّ على محبته ومحبة رسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. فإن الرأفة والرحمة يحبهما الله ما لم تكن مضيعة لدين الله. فالرحمة مأمور بها بخلاف الرأفة في دين الله. والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها. فإنه إن رآه مائلا إلى الرحمة، زيّن له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله، ولا يغار،. وإن رآه مائلا إلى الشدة، زيّن له الشدة في غير ذات الله، فيزيد في الذم والبغض والعقاب على ما


(١)
أخرجه البخاري في: الجنائز، ٣٣- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه» ، حديث رقم ٦٨٢، عن أسامة بن زيد.
(٢) أخرجه النسائي في: الزكاة، ٦٩- باب المنان بما أعطى، عن ابن عمر، ونصه: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث.. إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>