للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء: ٢٣] ، وقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ [النساء: ٢٢] ، قالوا: الشرط في الربائب خاصة. قالوا: أبهموا ما أبهم الله. والمبهم هو المطلق. والمشروط فيه هو المقيد.

لكن تنازعوا: هل الموت كالدخول؟ على قولين. وذلك لأن الحكم مختلف، والقيد ليس متساويا في الأعيان. فإن تحريم جنس، ليس مثل تحريم جنس يخالفه. كما أن تحريم الدم والميتة ولحم الخنزير، لما كان أجناسا، فليس تقييد الدم بالمسفوح موجبا تقييد الميتة والخنزير أن يكون مسفوحا. وهنا القيد قيد الربيبة بدخول أمها.

والدخول بالأم لا يوجد مثله في حليلة الأب وأم المرأة. إذ بالدخول في الحليلة، بها نفسها. وفي أم المرأة ببنتها. وكذلك المسلمون لم يحملوا المطلق على المقيد في نصاب الشهادة. بل لما ذكر الله في آية الدّين فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ [البقرة: ٢٨٢] ، وفي الرجعة رَجُلَيْنِ [الطلاق: ٢] ، أقروا كلا منهما على حاله. لأن سبب الحكم مختلف وهو المال والبضع. كما أن إقامة الحد في الفاحشة والقذف بها اعتبر فيه أربعة، فلا يقاس بذلك عقود الأثمان والأبضاع، وذكر في حد القذف ثلاثة أحكام:

جلد ثمانين، وترك قبول شهادتهم أبدا، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تابُوا [النور:

٤- ٥] الآية. والتوبة لا ترفع الجلد إذا طلبه المقذوف، وترفع الفسق بلا تردد.

والأكثر قالوا: ترفع المنع من قبول الشهادة. وإذا اشتهر عن شخص الفاحشة لم يرجم، كما

في الصحيح «١»

(إن جاءت به يشبه الزوج فقد كذب عليها وإن جاءت به يشبه الرجل الذي رماها به، فقد صدق عليها)

فجاءت به على النعت المكروه.

فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن)

فقيل لابن عباس: هذه التي

قال فيها (لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها)

فقال: لا. تلك امرأة كانت تعلن السوء في الإسلام فقد أخبر أنه لا يرجم أحدا إلا ببينة، ولو ظهر على الشخص السوء. ودل الحديث على أن الشبه له تأثير في ذلك، ولم تكن بينة. وكذلك ثبت عنه في الجنازة لما أثنوا عليها شرّا، والأخرى خيرا.

فقال (أنتم شهداء الله في أرضه)

وفي المسند عنه «٢» أنه قال (يوشك أن تعلموا أهل الجنّة من أهل النّار) قالوا يا رسول الله! وبم ذاك؟ قال بالثناء الحسن وبالثناء السيّئ فقد جعل الاستفاضة حجة وبينة في هذه الأحكام

. ولم يجعلها حجة في الرجم. وكذلك تقبل شهادة أهل الكتاب على المسلمين في


(١) أخرجه البخاري في: التفسير، ٢٤- سورة النور، ٣- باب ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، حديث رقم ١٢٩٦، عن ابن عباس.
(٢) أخرجه في المسند بالصفحة رقم ٣/ ٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>