للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم. ثم إن صلوا وزكوا، وإلا عوقبوا على ترك الفعل. لأن الشارع في التوبة شرع الكف عن أذاه. ويكون الأمر فيه موقوفا على التمام. وكذلك التائب من الفاحشة.

وهذه الآية مما يستدل به على التعزير بالأذى. والأذى، وإن كان كثيرا يستعمل في الكلام، فليس مختصّا به.

كقوله لمن بصق في القبلة «١» (إنك قد آذيت الله ورسوله)

وكذا

قوله في حق فاطمة «٢»

(ويؤذيني ما آذاها)

وقوله «٣»

لمن أكل البصل (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)

وهل يكون من توبته اعترافه بالذنب؟

فإذا ثبت الذنب بإقراره فجحد وكذب الشهود أو ثبت بشهادة شهود. فيه نزاع.

فذكر أحمد أنه لا توبة لمن جحد. واستدل بقصة عليّ بن أبي طالب: أنه أتى بجماعة ممن شهد عليهم بالزندقة، فاعترف منهم ناس فتابوا. فقبل توبتهم. وجحد جماعة فقتلهم.

وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة «٤»

(فإن العبد إذا اعترف ثم تاب، تاب الله عليه)

فمن أذنب سرا فليتب سرا، كما

في الحديث «٥»

(ومن ابتلي بشيء من هذه القاذروات فليستتر)

إلخ،

وفي الصحيح «٦»

(كل أمتي معافى إلا المجاهرون)

الحديث. فإذا ظهر من العبد الذنب فلا بد من ظهور التوبة. ومع الجحود لا تظهر التوبة. فإن الجاحد يزعم أنه غير مذنب. ولهذا كان السلف يستعملون ذلك فيمن أظهر بدعة أو فجورا، فإن هذا أظهر حال الضالين، وهذا أظهر حال المغضوب عليهم. ومن أذاه منعه، مع القدرة، من الإمامة والحكم والفتيا والرواية والشهادة. وأما بدون القدرة، فليفعل المقدور عليه. ولم يعلق الأذية على استشهاد أربعة، وليس هذا من حمل المطلق على المقيد. لأن ذلك لا بد أن يكون فيه الحكم واحدا، مثل الإعتاق. فإذا كان متفقا في الجنس دون النوع كإطلاق الأيدي في التيمم، وتقييدها إلى المرافق في الوضوء، فلا يحمل. ولم يحمل الصحابة والتابعون المطلق على المقيد في قوله تعالى:


(١) أخرجه أبو داود في: الصلاة، ٢٢- باب في كراهية البزاق في المسجد، حديث رقم ٤٨١ عن أبي سهلة الشائب بن خلاد.
(٢) أخرجه البخاري في: النكاح، ١٠٩- باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف، حديث رقم ٥٣٨ عن المسور بن مخرمة.
(٣) أخرجه مسلم في: المساجد، حديث رقم ٧٤.
(٤) أخرجه البخاري في: المغازي، ٣٤- باب حديث الإفك، حديث ١٢٦٦، عن عائشة.
(٥) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في: الحدود، رقم ١٢، عن زيد بن أسلم.
(٦) أخرجه البخاري في، الأدب، ٦٠- باب ستر المؤمن على نفسه، حديث قم ٢٣٣٥، عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>