الحديث. ولهذا، لما كان أهل السنة والجماعة لم يشوبوا الإسلام بغيره، كانت شهادتهم مقبولة على سائر فرق الأمة، بخلاف أهل البدع والأهواء، كالخوارج والروافض، فإن بينهم من العداوة والظلم ما يخرجهم عن هذه الحقية التي جعلها الله لأهل السنة، قال فيهم (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) واستدل من جوّز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض بهذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ [المائدة: ١٠٦] الآية، قالوا: دلت على قبول شهادتهم على المسلمين. ففيه تنبيه على قبول شهادة بعضهم على بعض بطريق الأولى. ثم نسخ الظاهر لا يوجب نسخ الفحوى، والتنبيه على الأقوى. كما نص عليه أحمد وغيره من أئمة الحديث الموافقين للسلف. ولهذا يجوز في الشهادة للضرورة ما لا يجوز في غيرها. كما تقبل شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال. حتى نص أحمد على قبول شهادتين في الحدود التي تكون في مجامعهن الخاصة. فالكفار الذي لا يختلط بهم المسلمون أولى، والله أمرنا أن نحكم بينهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم «١» رجم الزانيين من اليهود، ومن غير سماع إقرار منهم ولا شهادة مسلم. ولولا قبول شهادة بعضهم على بعض لم يجز ذلك. وفي تولي بعضهم مال بعض، نزاع، فهل يتولى الكافر العدل في دينه، مال ولده الكافر؟ على قولين والصواب المقطوع به أن بعضهم أولى ببعض وقد مضت السنة بذلك وسنة خلفائه. وقوله تعالى: فَآذُوهُما أمر.
بالأذى مطلقا، ولم يذكر صفته ولا قدره. ولفظ (الأذى) يستعمل في الأقوال كثيرا.
كقوله لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [آل عمران: ١١١] ، والإعراض هو الإمساك عن الإيذاء. فالمذنب لا يزال يؤذي وينهى ويوبخ إلا أن يتوب. وأدنى ذلك هجره. فلا يكلم بالكلام الطيب. وهذه محكمة فمن أتى الفاحشة وجب إيذاؤه بالكلام الزاجر إلى أن يتوب. وليس ذلك محدودا بقدر ولا صفة. إلا ما يكون زاجرا له داعيا إلى حصول المقصود، وهو توبته وصلاحه. وعلّقه تعالى على التوبة والإصلاح، فإذا لم يوجدا، فلا يجوز أن يكون الأمر بالإعراض موجودا. فأما من تاب بترك الفاحشة ولم يصلح، فتنازعوا: هل من شرط التوبة صلاح العمل؟ على قولين. وهذه تشبه قوله فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: ٥] ، فعلق تخلية سبيلهم على التوبة والعمل الصالح. مع أنهم إذا تكلموا بالشهادتين وجب الكفّ
(١) أخرجه البخاري في: الحدود، ٢٤- باب الرجم في البلاط، حديث رقم ٧٠٤، عن ابن عمر. [.....]