للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر: ٤٩- ٥٠] ، وقال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: ٩٨] ، فجعل الرحمة صفة مذكورة في أسمائه. وأما العذاب والعقاب فجعلهما من مفعولاته. ومن هذا ما أمر الله تعالى به من الغلظة على الكفار والمنافقين. وقال تعالى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ [النساء: ١٥] الآية، وفي الحديث «١» بيان السبيل الذي جعله الله لهن وهو جلد مائة وتغريب عام في البكر، وفي الثيب الرجم لكن الذي في الحديث الجلد والنفي للبكر من الرجال وأما الآية ففيها ذكر الإمساك في البيوت للنساء إلى الموت، والسبيل للنساء خاصة. ومن الفقهاء من لا يوجب مع الحد تغريبا، ومنهم من يفرق بين الرجل والمرأة. كما أن أكثرهم لا يوجبون الجلد مع الرجم. ومنهم من يوجبهما جميعا. كما «٢» فعل بشراحة الهمدانية، حيث جلدها ثم رجمها. وقال:

جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة نبيّه. رواه البخاريّ. والله سبحانه ذكر في سورة النساء ما يختص بهن من العقوبة. ثم ذكر ما يعم الصنفين فقال: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما، فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما، إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً [النساء:

١٦] ، فإن الأذى يتناول الصنفين. وأما الإمساك فيختص بالنساء، لأن المرأة يجب أن تصان بما لا يجب مثله في الرجل ولهذا خصت بالاحتجاب وترك الزينة وترك التبرج، لأن ظهورها يسبب الفتنة، والرجال قوامون عليهن، وقوله: فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ [النساء: ١٥] ، دل على شيئين: على نصاب الشهادة وعلى أن الشهداء على نسائنا منا. وهذا لا نزاع فيه. وأما شهادة الكفار بعضهم على بعض ففيها روايتان عن أحمد. الثانية أنها تقبل. اختارها أبو الخطاب. وهو قول أبي حنيفة. وهو أشبه بالكتاب والسنة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجوز شهادة أهل ملة على ملة، إلا أمتي)

فمفهومه جواز شهادة أهل الملة الواحدة بعضهم على بعض. ولكن فيه: أن المؤمنين تقبل شهادتهم على من سواهم، لقوله تعالى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] ، وفي آخر الحج مثلها وفي البخاري «٣» من حديث أبي سعيد (يدعى نوح) الحديث. وكذلك فيهما «٤» من حديث أنس، شهادتهم على


(١) أخرجه مسلم في: الحدود، حديث ١٢.
(٢) أخرجه البخاري في: الحدود، ٢١- باب رجم المحصن، حديث رقم ٢٥١٣.
(٣) أخرجه البخاري في: الأنبياء، ٣- باب قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ حديث رقم ١٥٧٨.
(٤) أخرجه البخاري في: الجنائز، ٨٦- باب ثناء الناس على الميت، حديث رقم ٧٢٣.
وأخرجه مسلم في: الجنائز، حديث ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>