للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزاني حين يزني وهو مؤمن)

وذلك أنه أخبر أنه لا ينكح الزانية إلا زان أو مشرك. ثم قال تعالى وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فعلم أن الإيمان يمنع منه. وأن فاعله إما مشرك وإما زان، ليس من المؤمنين الذين يمنعهم إيمانهم من ذلك. وذلك أن المزاناة فيها فساد فراش الرجل وفي مناكحتها معاشرة الفاجرة دائما. والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه. وهذا موجود في الزاني. فإنه إن لم يفسد فراش امرأته كان قرين سوء لها، كما قال الشعبيّ: من زوج كريمته من فاسق، فقد قطع رحمها. وهذا مما يدخل على المرأة ضرارا في دينها ودنياها. فنكاح الزانية أشد من جهة الفراش.

ونكاح الزاني أشد من جهة أنه السيد المالك الحاكم. فتبقى المرأة الحرة العفيفة في أسر الفاجر الزاني الذي يقصّر في حقوقها، ويعتدي عليها، ولهذا اتفقوا على اعتبار الكفاءة في الدين، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة. واختلفوا في صحة النكاح بدون ذلك. فإن من نكح زانية فقد رضي لنفسه بالقيادة والدياثة. ومن نكحت زانيا فهو لا يحصن ماءه، بل يضعه فيها وفي غيرها من البغايا. فهي بمنزلة المتخذة خدنا. فإن مقصود النكاح حفظ الماء في المرأة. وهذا لا يحفظ ماءه. والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين، فقال: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ [النساء: ٢٤] ، وهذا مما لا ينبغي إغفاله. فإن القرآن قد قصّه وبينه بيانا مفروضا. كما قال تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء. وفيه آثار عن السلف. وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه، وقد ادعى بعضهم أنها منسوخة بقوله:

وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: ٢٤] ، وزعموا أن البغيّ من المحصنات. وتلك حجة عليهم، فإن أقل ما في الإحصان العفة. وإذا اشترط فيه الحرية، فذاك تكميل للعفة والإحصان. ومن حرم نكاح الأمة لئلا يرقّ ولده، فكيف يبيح البغيّ الذي يلحق به من ليس بولده؟ وأين فساد فراشه من رقّ ولده؟ وكذلك من زعم أن النكاح هنا هو الوطء وهذا حجة عليهم. فمن وطئ زانية أو مشركة بنكاح، فهو زان. وكذلك من وطئها زان. فإن ذم الزاني بفعله الذي هو الزنى. حتى لو استكرهها أو استدخلت ذكره وهو نائم كانت العقوبة للزاني دون قرينه. والمقصود أن الآية تدل على أن الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة. وأن ذلك حرام على المؤمنين. وليس هذا مجرد كونه فاجرا، بل لخصوصية كونه زانيا. وكذلك في المرأة. ليس بمجرد فجورها، بل لخصوص زناها، بدليل أنه جعل المرأة زانية إذا تزوجت زانيا كما جعله زانيا إذا تزوج زانية. وهذا إذا كانا مسلمين يعتقدان تحريم

<<  <  ج: ص:  >  >>