للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزنى. وإلا إن كانا مشركين، فينبغي أن يعلم ذلك. ومضمونه أن الزاني لا يجوز إنكاحه حتى يتوب. وذلك يوافق اشتراطه الإحصان، والمرأة الزانية لا تحصن فرجها.

ولهذا يجب عليه نفي الولد الذي ليس منه. فمن نكح زانية فهو زان، أي تزوجها.

ومن نكحت زانيا فهي زانية، أي تزوجته. فإن كثيرا من الزناة قصروا أنفسهم على الزواني، فتكون خدنا له لا يأتي غيرها، فإن الرجل إذا كان زانيا لا يعف امرأته فتتشوق إلى غيره فتزني كما هو الغالب على نساء الزاني ومن يلوط بالصبيان. فإن نساءهم يزنين ليقضين إربهن وليراغمن أزواجهن. ولهذا يقال: عفوا تعف نساؤكم. وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم. فكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها. فإن الرجل إذا رضي أن ينكح زانية، رضي بأن تزني امرأته.

والله سبحانه قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة. فأحدهما يحب لنفسه ما يحب للآخر. فإذا رضيت المرأة أن تنكح زانيا فقد رضيت عمله، وكذلك الرجل. ومن رضي بالزنى فهو بمنزلة الزاني، فإن أصل الفعل هو الإرادة. ولهذا في الأثر «١» من غاب عن معصية فرضيها كان كمن شهدها.

وفي الحديث «٢»

«المرء على دين خليله»

وأعظم الخلة خلة الزوجين. وأيضا، فإن الله تعالى جعل في نفوس بني آدم من الغيرة ما هو معروف فيستعظم الرجل أن يطأ الرجل امرأته، أعظم من غيرته على نفسه أن يزني. فإذا لم يكره أن تكون زوجته بغيا وهو ديوثا، كيف يكره أن يكون هو زانيا؟ ولهذا لم يوجد من هو ديوث أو قواد يعفّ عن الزنى، فإن الزنى له شهوة في نفسه. والديوث له شهوة في زنى غيره. فإذا لم يكن معه إيمان يكره من زوجته ذلك، كيف يكون معه إيمان يمنعه من الزنى؟ فمن استحل أن يترك امرأته تزني، استحل أعظم الزنى. ومن أعان على ذلك فهو كالزاني. ومن أقر عليه، مع إمكان تغييره، فقد رضيه. ومن تزوج غير تائبة فقد رضي أن تزني. إذ لا يمكنه منعها. فإن كيدهن عظيم. ولهذا جاز له، إذا أتت بفاحشة مبينة، أن يعضلها لتفتدي. لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه وتعرضت لإفساد نكاحه. فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب. ولا يسقط المهر بمجرد زناها. كما دل عليه

قوله «٣» صلى الله عليه وسلم للملاعن «لما قال مالي» قال: لا مال لك عندها إن كنت صادقا فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت


(١) أخرجه أبو داود في: الملاحم، ١٧- باب الأمر والنهي، حديث ٤٣٤٥، عن العرس بن عميرة الكندي.
(٢) أخرجه الترمذي في: الزهد، ٤٥- باب حدثنا محمد بن بشار عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه البخاري في: الطلاق، ٥٣- باب المتعة التي لم يفرض لها، عن ابن عمر، حديث ٢١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>