قال الحافظ ابن حجر: روى سعيد بن منصور من طريق حصين بن عبد الرحمن قال: رأيت رجلا جلد حدّا في قذف بالزنى. فلما فرغ من ضربه أحدث توبة. فلقيت أبا الزناد فقال لي: الأمر عندنا بالمدينة إذا رجع القاذف عن قوله، فاستغفر ربه، قبلت شهادته وعلّقه البخاريّ.
الخامس: ننقل هنا ما أجمله السيوطيّ في (الإكليل) مما يتعلق بأحكام الآية.
قال رحمه الله: في هذه الآية تحريم القذف، وأنه فسق، وأن القاذف لا تقبل شهادته، وأنه يجلد ثمانين إذا قذف محصنة أي عفيفة. ومفهومه أنه إذا قذف من عرفت بالزنى لا يحد للقذف. ويصرح بذلك قوله ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ وفيها أن الزنى لا يقبل فيه إلا أربعة رجال، لا أقل. ولا نساء. وسواء شهدوا مجتمعين أو متفرقين. واستدل بعموم الآية من قال: يحدّ العبد أيضا ثمانين. ومن قال: يحد قاذف الكافر والرقيق وغير البالغ والمجنون وولده. واحتج بها على أن من قذف نفسه ثم رجع لا يحدّ لنفسه. لأنه لم يرم أحدا واستدل بها من قال: إن حد القذف من حقوق الله، فلا يجوز العفو عنه. انتهى.
ثم رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، تحقيقا في بحث قبول الشهادة بعد التوبة، جديرا بأن يؤثر. قال رحمه الله: وقوله تعالى وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً نصّ في أن هؤلاء القذفة لا تقبل شهادتهم أبدا. واحدا كانوا أو عددا. بل لفظ الآية ينتظم العدد على سبيل الجمع والبدل، لأنها نزلت في أهل الإفك باتفاق أهل العلم والحديث والفقه والتفسير. وكان الذين قذفوا عائشة عددا، ولم يكونوا واحدا لما رأوها قدمت صحبة صفوان بن المعطل، بعد قفول العسكر، وكانت قد ذهبت تطلب قلادة لها فقدت، فرفعوا هودجها معتقدين أنها فيه لخفتها، ولم تكن فيه.
فلما رجعت لم تجد أحدا فمكثت مكانها. وكان صفوان قد تخلف وراء الجيش.
فلما رآها أعرض بوجهه عنها وأناخ راحلته حتى ركبتها. ثم ذهب إلى العسكر فكانت خلوته بها للضرورة. كما يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم للضرورة كسفر الهجرة مثل ما قدمت أم كلثوم بنت عقبة مهاجرة، وقصة عائشة.
ودلت الآية على أن القاذفين لا تقبل شهادتهم مجتمعين ولا متفرقين. ودلت الآية على أن شهادتهم بعد التوبة مقبولة كما هو مذهب الجمهور. فإنه كان من جملتهم مسطح وحسان وحمنة. ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يردّ شهادة أحد منهم، ولا المسلمون بعده لأنهم كلهم تابوا لما نزل القرآن ببراءتها. ومن لم يتب حينئذ، فإنه