كافر مكذب بالقرآن. وهؤلاء ما زالوا مسلمين. وقد نهى الله عن قطع صلتهم. ولو ردت شهادتهم بعد التوبة لاستفاض ذلك كما استفاض رد عمر شهادة أبي بكرة.
وقصة عائشة أعظم من قصة المغيرة. لكن من رد شهادة القاذف بعد التوبة يقول:
أرد شهادة من حدّ في القذف. وهؤلاء لم يحدوا. والأولون يجيبون بأجوبة: أحدها- أنه قد روي في السنن أنهم حدوا. الثاني أن هذا الشرط غير معتبر في ظاهر القرآن، وهم لا يقولون به. الثالث- أن الذين اعتبروا الحد واعتبروه وقالوا: قد يكون القاذف صادقا وقد يكون كاذبا. فإعراض المقذوف عن طلب الحد قد يكون لصدق القاذف. فإذا طلبه ولم يأت القاذف بأربعة شهداء ظهر كذبه. ومعلوم أن الذين قذفوا عائشة ظهر كذبهم أعظم من ظهور كذب كل أحد. فإن الله عزّ وجلّ هو الذي برأها بكلامه الذي أنزله من فوق سبع سموات يتلى، فإذا كانت شهادتهم مقبولة، فغيرهم أولى. وقصة عمر التي حكم فيها بين المهاجرين والأنصار، في شأن المغيرة، دليل على الفصلين جميعا. لما توقف الرابع فجلد الثلاثة دونه وردّ شهادتهم لأن اثنين من الثلاثة تابا فقبل شهادتهما. والثالث، وهو أبو بكرة، مع كونه من أفضلهم، لم يتب فلم يقبل المسلمون شهادته. وقد قال عمر: تب أقبل شهادتك. لكن إذا كان القرآن قد بين أنهم إن لم يأتوا بأربعة شهداء لم تقبل شهادتهم أبدا، ثم قال بعد ذلك وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فمعلوم أن قوله هُمُ الْفاسِقُونَ وصف ذم لهم زائد على رد الشهادة.
وأما تفسير العدالة فإنها الصلاح في الدين والمروءة. وإذا وجد هذا في شخص كان عدلا في شهادته وكان من الصالحين، وأما أنه لا يستشهد أحد في وصية ولا رجعة في جميع الأمكنة والأزمنة حتى يكون بهذه الصفة، فليس في كتاب الله وسنة رسوله ما يدل على ذلك، بل هذا صفة المؤمن الذي أكمل إيمانه بأداء الواجبات وإن كان المستحبات لم يكملها. ومن كان كذلك كان من أولياء الله المتقين.
ثم إن القائلين بهذا قد يفسرون الواجبات بالصلوات الخمس ونحوها، بل قد يجب على الإنسان من حقوق الله وحقوق عباده ما لا يحصيه إلا الله، مما يكون تركه أعظم إثما من شرب الخمر والزنى ومع ذلك لم يجعلوه قادحا في عدالته، إما لعدم استشعار كثرة الواجبات، وإما لالتفاتهم إلى ترك السيئات دون فعل الواجبات، وليس الأمر كذلك في الشريعة. وبالجملة، فهذا معتبر في باب الثواب والعقاب والمدح والذم والموالاة والمعاداة، وهذا أمر عظيم. وباب الشهادة مداره على أن يكون الشهيد مرضيّا، أو يكون ذا عدل بتحري القسط والعدل في أقواله وأفعاله. والصدق