للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لما صارت شبهة، استشار النبيّ صلى الله عليه وسلم في طلاقها. إذ لا يصلح له أن تكون امرأته غير طيبة،

وقد روي «١»

أنه (لا يدخل الجنة ديوث)

وهو الذي يقر السوء في أهله، ولهذا كانت الغيرة على الزنى مما يحبها الله وأمر بها. حتى

قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «٢» : أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن،. ولهذا أذن الله للقاذف إذا كان زوجا، أن يلاعن، لأجل ما أمر به من الغيرة، ولأنها أفسدت فراشه، وإن حبلت من الزنى، فعليه اللعان، لئلا يلحق به من ليس منه

. ومضت السنّة بالتفريق بينهما، سواء حصلت الفرقة بالتلاعن أو بحاكم أو عند انقضاء لعان الزوج. لأن أحدهما ملعون أو خبيث. فاقترانهما يقتضي مقارنة الخبيث للطّيب.

وفي صحيح مسلم «٣» من حديث عمران في الناقة التي لعنتها المرأة، أنه أمر فأخذ ما عليها وأرسلت. وقال: لا تصحبنا ناقة ملعونة. ولما اجتاز بديار ثمود قال «٤» : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين. لئلا يصيبكم ما أصابهم

. فنهى عن عبور ديارهم إلا على وجه الخوف المانع من العذاب.

وهكذا السنة في مقارنة الظالمين والزناة وأهل البدع والفجور وسائر المعاصي. لا ينبغي لأحد أن يقارنهم ويخالطهم إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عزّ وجلّ، وأقل ذلك أن يكون منكرا لظلمهم، ماقتا لهم شانئا ما هم فيه بحسب الإمكان. كما في قوله «٥» : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إلخ. وقال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ [التحريم: ١١] الآية، وكذلك ما ذكره عن يوسف وعمله لصاحب مصر لقوم كفار. وذلك أن مقارنة الكفار إنما يفعلها المؤمن في موضعين: أحدهما: أن يكون مكرها عليها. والثاني: أن يكون في ذلك مصلحة دينية، راجحة على مفسدة المقارنة، أو أن يكون في تركها مفسدة راجحة في دينه فيدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصل المصلحة الراجحة باحتمال المفسدة المرجوحة. وفي الحقيقة: المكره هو من يدفع الفساد باحتمال أدناهما.

وهو الأمر الذي أكره عليه قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ


(١) أخرجه النسائي في: الزكاة، ٦٩- باب المنان بما أعطى.
(٢) أخرجه البخاري في: النكاح، ١٠٧- باب الغيرة.
(٣) أخرجه مسلم في: البر والصلة والآداب، حديث رقم ٨٠. [.....]
(٤) أخرجه البخاري في: الصلاة، ٥٣- باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، حديث ٢٨٤، عن ابن عمر.
(٥) أخرجه مسلم في: الإيمان. حديث ٧٨، عن أبي سعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>