الناس من يحب سماعها لما فيه من ذكر العشق وما يتعلق به، لمحبته لذلك ولرغبته في الفاحشة، حتى إن منهم من يسمعها النساء لمحبتهم للسوء، ولا يختارون أن يسمعوا ما في سورة النور من العقوبة والنهي عن ذلك. حتى قال بعض السلف: كل ما حصلته في سورة يوسف أنفقته في سورة النور. وقد قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: ٨٢] ، وقال: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً [التوبة:
١٢٤] الآيات. فكل أحد يحب سماع ذلك لتحريك المحبة المذمومة، ويبغض سماع ذلك إعراضا عن دفع هذه المحبة، فهو مذموم ومن هذا ذكر أحوال الكفار والفجار وغير ذلك مما فيه ترغيب في المعصية وصدّ عن سبيل الله، ومنه سماع كلام أهل البدع، والنظر في كتبهم لمن يضره ذلك، فهذا الباب تجتمع فيه الشبهات والشهوات. والله تعالى ذم هؤلاء في مثل قوله: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: ١١٢] ، وقوله: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ [الشعراء: ٢٢٤] . وقوله: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ [الشعراء: ٢٢١] ، وما بعدها، وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [لقمان: ٦] ، وقوله مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ [المؤمنون: ٦٧] ، وقوله:
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا [الأعراف: ١٤٦] ، وقوله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ [الأنعام: ١١٦] ، ومثل هذا كثير في القرآن، فأهل المعاصي كثير في العالم، بل هم أكثر، كما قال تعالى:
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: ٦٧] الآية، وفي النفوس من الشبهات المذمومة والشهوات قولا وعملا ما يعلمه إلا الله، وأهلها يدعون الناس إليها ويقهرون من يعصيهم، ويزينونها لمن يطيعهم. فهم أعداء الرسل وأندادهم. فالرسل يدعون إلى الطاعة بالرغبة والرهبة. ويجاهدونهم عليها. وينهون عن المعاصي ويحذرون منها بالرغبة والرهبة. ويجاهدون من يفعلها. قال تعالى:
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة: ٦٧] الآية. ثم قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة: ٧١] الآية، وقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء: ٧٦] ، ومثل هذا في القرآن كثير والله سبحانه قد أمرنا بالأمر والنهي عن المنكر. والأمر بالشيء مسبوق بمعرفته، فمن لا يعلم المعروف لا يمكنه الأمر بالمعروف. والنهي