المفاسد داخل في قوله تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:
٩١] ، وكذلك إيقاع العداوة والبغضاء هو منتهى قصد الشيطان ولهذا
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «١»
(ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) قالوا: بلى يا رسول الله قال: (إصلاح ذات البين. فإن فساد ذات البين هي الحالقة. لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)
وقد ذكرنا في غير هذا أن الفواحش والظلم وغير ذلك من الذنوب يوقع العداوة والبغضاء وأن كل عداوة أو بغضاء فأصلها من المعصية والشيطان يأمر بالمعصية ليوقع فيما هو أعظم منها ولا يرضى إلا بغاية ما قدر على ذلك. وأيضا فالعداوة والبغضاء شر محض، لا يحبهما عاقل. بخلاف المعاصي فإن فيها لذة. والنفوس تريدها، والشيطان يدعو إليها، ليوقعها في شرّ لا تهواه. والله سبحانه قد بيّن ما يريد الشيطان بالخمر والميسر، ولم يذكر ما يريده الإنسان. ثم قال في سورة النور لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور: ٢١] ، وكذلك في البقرة، نهى عن اتباع خطواته، وهو اتباع أمره بالاقتداء والاتباع. وأخبر أنه يأمر بالفحشاء والمنكر والسوء والقول على الله لا علم. وقال فيها: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ [البقرة: ٢٦٨] ، فذكر أن الشيطان يأمر بذلك وبعد هذا وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [البقرة: ٢٦٨] ، وقال إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: ٩٠] ، وقال عن نبيّه يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ [الأعراف: ١٥٧] الآية، وقال عن أمته يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: ١٠٤] ، وذكر مثل ذلك في مواضع كثيرة فتارة يخص اسم المنكر بالنهي، وتارة يقرنه بالفحشاء، وتارة يقرن معهما البغي. وكذلك المعروف، تارة يخصه بالأمر، وتارة يقرن به غيره.
كقوله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء: ١١٤] الآية، وذلك أن الأسماء قد يكون عمومها وخصوصها بحسب الإفراد والتركيب. كلفظ (الفقير والمسكين) . إذا عرف هذا فاسم المنكر يعمّ كل ما كرهه الله ونهى عنه. واسم المعروف يعم كل ما يحبه الله ويرضاه. وإذا قرن المنكر بالفحشاء، فالفحشاء مبناها على المحبة. والمنكر هو الذي تنكره القلوب. فقد يظن أن ما في الفاحشة من المحبة يخرجها عن الدخول فيه. فإن
(١) أخرجه الترمذي في: القيامة، ٥٦- باب حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم البنداري، عن أبي الدرداء.