للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال رحمه الله (بعد شرحه

لحديث فرح الله بتوبة عبده ما مثاله

) : وهاهنا مسألة، هذا الموضع أخص المواضع ببيانها. وهي أن التائب إذا تاب إلى الله توبة نصوحا، فهل تمحى تلك السيئات وتذهب، لا له ولا عليه، أو إذا محيت أثبت له مكان كل سيئة حسنة؟ هذا مما اختلف الناس فيه، من المفسرين وغيرهم، قديما وحديثا. فقال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة الحسنة، لكن يجعل مكان السيئة التوبة، والحسنة مع التوبة قال ابن عطية: يجعل أعمالهم، بدل معاصيهم الأولى طاعة، فيكون ذلك سببا لرحمة الله إياهم، قاله ابن عباس وابن جبير وابن زيد والحسن. ورد على من قال هو في يوم القيامة. قال: وقد ورد حديث في كتاب مسلم «١» من طريق أبي ذر يقتضي أن الله سبحانه يوم القيامة، يجعل لمن يريد المغفرة له من الموحدين، بدل سيئاته حسنات. وذكره الترمذيّ والطبريّ. وهذا تأويل سعيد بن المسيب في هذه الآية.

قال ابن عطية: وهو معنى كرم العفو. انتهى.

وسيأتي ذكر الحديث والكلام عليه.

وقال الثعلبيّ: قال ابن عباس وابن جريج والضحاك وابن زيد: يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ يبدلهم الله تقبيح أعمالهم في الشرك، محاسن الأعمال في الإسلام. فيبدلهم بالشرك وبقتل المؤمنين، قتل المشركين. وبالزنى، عفة وإحصانا.

وقال آخرون: يعني يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في حال إسلامهم، حسنات يوم القيامة وأصل القولين، أن هذا التبديل هل هو في الدنيا أو يوم القيامة؟

فمن قال إنه في الدنيا، قال هو تبديل الأعمال القبيحة والإرادات الفاسدة بأضدادها.

وهي حسنات، وهذا تبديل حقيقة. والذين نصروا هذا القول احتجوا بأن السيئة تنقلب حسنة، بل غايتها أن تمحى وتكفر ويذهب أثرها، فأما أن تنقلب حسنة فلا.

فإنها لم تكن طاعة، وإنما كانت بغيضة مكروهة للرب، فكيف تنقلب محبوبة مرضية؟

قالوا: وأيضا فالذي دل عليه القرآن إنما هو تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، كقوله رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا [آل عمران: ١٩٣] ، وقوله وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ [الشورى: ٢٥] ، وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:


(١) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث رقم ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>