للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٣] ، والقرآن مملوء من ذلك

وفي الصحيح «١» من حديث قتادة عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ قال:

سمعته يقول (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: ربّ! أعرف قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى صحيفة حسناته) .

وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على الله عز وجل.

فهذا الحديث المتفق عليه، والذي تضمن العناية بهذا العبد، إنما فيه ستر ذنوبه عليه في الدنيا ومغفرتها له يوم القيامة. ولم يقل له: وأعطيتك بكل سيئة منها حسنة. فدل على أن غاية السيئات مغفرتها وتجاوز الله عنها.

وقد قال الله في حق الصادقين لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر: ٣٥] ، فهولاء خيار الخلق. وقد أخبر عنهم أنه يكفر عنهم سيئات أعمالهم ويجزيهم بأحسن ما يعملون. وأحسن ما عملوا إنما هو الحسنات لا السيئات، فدل على أن الجزاء بالحسنى إنما يكون على الحسنات وحدها. وأما السيئات، أن تلغى ويبطل أثرها. قالوا: وأيضا، فلو انقلبت السيئات أنفسها حسنات في حق التائب، لكان أحسن حالا من الذي لم يرتكب منها شيئا. وأكثر حسنات منه، لأنه إذا أساء شاركه في حسناته التي فعلها وامتاز عنه بتلك السيئات، ثم انقلبت له حسنات ترجح عليه. وكيف يكون صاحب السيئات أرجح ممن لا سيئة له؟ قالوا: وأيضا فكما أن العبد، إذا فعل حسنات ثم أتى بما يحبطها، فإنها لا تنقلب سيئات يعاقب عليها، بل يبطل أثرها ويكون لا له ولا عليه، وتكون عقوبته عدم ترتب ثوابه عليها. فهكذا من فعل سيئات ثم تاب منها، فإنها لا تنقلب حسنات فإن قلتم: وهكذا التائب يكون ثوابه عدم ترتب العقوبة على سيئاته، لم ننازعكم في هذا. وليس هذا معنى الحسنة فإن الحسنة تقتضي ثوابا وجوديا. واحتجت الطائفة الأخرى التي قالت: هو تبديل السيئة بالحسنة حقيقة يوم القيامة، بأن قالت: حقيقة التبديل إثبات الحسنة مكان السيئة. وهذا إنما يكون في


(١) أخرجه البخاري في: المظالم والغصب، باب قول الله تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ، حديث رقم ١٢٠١.
وأخرجه مسلم في: التوبة، حديث رقم ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>