السيئة المحققة. وهي التي قد فعلت ووقعت. فإذا بدلت حسنة كان معناه أنها محيت وأثبت مكانها حسنة. قالوا: ولهذا قال تعالى: سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فأضاف السيئات إليهم، لكونهم باشروها واكتسبوها. ونكر الحسنات ولم يضفها إليهم، لأنها من غير صنعهم وكسبهم، بل هي مجرد فضل الله وكرمه قالوا: وأيضا، فالتبديل في الآية إنما هو فعل الله لا فعلهم فإنه أخبر أنه هو يبدل سيئاتهم حسنات، ولو كان المراد ما ذكرتم لأضاف التبديل إليهم. فإنهم هم الذين يبدلون سيئاتهم حسنات والأعمال إنما تضاف إلى فاعلها وكاسبها، كما قال تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ [البقرة: ٥٩] ، وأما ما كان من غير الفاعل، فإنه يجعله من تبديله هو، كما قال تعالى: بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ [سبأ: ١٦] ، فلما أخبر سبحانه أنه هو الذي يبدل سيئاتهم حسنات، دل على أنه شيء فعله هو سبحانه بسيئاتهم، لا أنهم فعلوه من تلقاء أنفسهم. وإن كان سببه منهم وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح.
قالوا: ويدل عليه ما
رواه مسلم «١» في صحيحه عن أبي ذر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم آخر أهل جنة دخولا الجنة. وآخر أهل النار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها. فتعرض عليه صغار ذنوبه. فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا فيقول: نعم. لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة»
قالوا: وهؤلاء هم الأبدال في الحقيقة. فإنهم إنما سموا أبدالا لأنهم بدلوا أعمالهم السيئة، بالأعمال الحسنة، فبدل الله سيئاتهم التي عملوا حسنات.
قالوا: وأيضا فالجزاء من جنس العمل. فكما بدلوا هم أعمالهم السيئة بالحسنة، بدلها الله من صحف الحفظة، حسنات جزاء وفاقا.
قالت الطائفة الأولى: كيف يمكنكم الاحتجاج بحديث أبي ذر، على صحة قولكم، وهو صريح في أن هذا الذي قد بدلت سيئاته حسنات، قد عذب عليها في النار، حتى كان آخر أهلها خروجا منها فهذا قد عوقب على سيئاته. فزال أثرها بالعقوبة. فبدل مكان كل سيئة منها حسنة. وهذا حكم غير ما نحن فيه. فإن الكلام في التائب من السيئات، لا فيمن مات مصرّا عليها غير تائب. فأين أحدهما من الآخر؟