من الروايات. فإن طرقها يقوي بعضها بعضا، وكأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قال له عبد الله بن سلام: إن جبريل عدو لليهود، تلا عليه الآية، مذكّرا له سبب نزولها- كذا قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
وقد أشار إلى ذلك السيوطيّ في «الإتقان» حيث قال (تنبيه) قد يكون في إحدى القصتين، (فتلا) فيهم الراوي، فيقول (فينزل) . وقال العلامة ولي الله الدهلويّ قدس سره في كتابه «أصول التفسير» وقد تحقق عند الفقير أن الصحابة والتابعين كثيرا ما كانوا يقولون: نزلت الآية في كذا وكذا، وكأن غرضهم تصوير ما صدقت عليه الآية وذكر بعض الحوادث التي تشملها الآية بعمومها. سواء تقدمت القصة أو تأخرت. إسرائيليا كان ذلك أو جاهليا أو إسلاميا. استوعبت جميع قيود الآية أو بعضها، والله أعلم.
فعلم من هذا التحقيق أن للاجتهاد في هذا القسم مدخلا. وللقصص المتعددة هنالك سعة. فمن استحضر هذه النكتة يتمكن من حل ما اختلف من سبب النزول بأدنى عناية. انتهى.
وقوله تعالى لِجِبْرِيلَ قرئ في السبع بكسر الجيم والراء بلا همز، وبفتح الجيم بدونها أيضا، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة ثم ياء وبدونها. قال ابن جنيّ: العرب إذا نطقت بالأعجميّ خلطت فيه.
وقوله فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ تعليل لجواب الشرط قائم مقامه، والبارز الأول لجبريل عليه السلام، والثاني للقرآن، أضمر من غير سبق ذكر، إيذانا بفخامة شأنه، واستغنائه عن الذكر، لكمال شهرته ونباهته، لا سيما عند ذكر شيء من صفاته. وقوله عَلى قَلْبِكَ زيادة تقرير للتنزيل، ببيان محل الوحي، فإنه القابل الأول له، إن أريد به الروح. ومدار الفهم والحفظ إن أريد به العضو، وهذا كقوله نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشعراء: ١٩٣- ١٩٤] ، وكان حق الكلام أن يقال (على قلبي) لأنه المطابق لقل، ولكن جاء على حكاية كلام الله كما تكلم به تحقيقا لكونه كلام الله. وأنه أمر بإبلاغه. وقوله بِإِذْنِ اللَّهِ أي بأمره. وقوله مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي من التوراة وبقية الصحف المنزلة. وقوله وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي يهدي للرشد وبشرى لهم بالجنة، كما قال تعالى قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ [فصلت: ٤٤] الآية. وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: ٨٢] ، وفيه رد على اليهود، حيث قالوا: إن جبريل ينزل بالحرب والشدة