للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنهم ذكروا في القصة أن الله تعالى قال لهما (أي لهاروت وماروت) :

لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت ذلك بنا يا رب لما عصيناك، وهذا منهم تكذيب لله تعالى. وتجهيل له، وذلك من صريح الكفر.

وثانيها: أنهما خيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وذلك فاسد، بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة وبين العذاب، والله تعالى خيّر بينهما من أشرك به طول عمره، وبالغ في إيذاء أنبيائه.

وثالثها: أن من أعجب الأمور قولهم: إنهما يعلمان السحر، في حال كونهما معذبين ويدعوان إليه، وهما يعاقبان.

وهكذا، الإمام أبو مسلم احتج على بطلان نزول السحر عليهما أيضا بوجوه:

الأول: أن السحر لو كان نازلا عليهما لكان منزّله هو الله، وذلك غير جائز، لأن السحر كفر وعبث لا يليق بالله تعالى إنزال ذلك.

الثاني: أن قوله وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ يدل على أن تعليم السحر كفر. فلو ثبت في الملائكة أنهم يعلمون السحر لزمهم الكفر. وذلك باطل.

الثالث: كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا لتعليم السحر، فكذلك في الملائكة بطريق الأولى.

الرابع: إن السحر لا ينضاف إلا إلى الكفرة والفسقة والشياطين المردة، وكيف يضاف إلى الله ما ينهى عنه ويتوعد عليه بالعقاب؟ وهل السحر إلا الباطل المموه؟

وقد جرت عادة الله بإبطاله، كما قال في قصة موسى عليه السلام ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ [يونس: ٨١] انتهى.

وقد ساق الرازيّ ما ارتآه أبو مسلم في تفسير هذه الآية. ولم نشأ نقله لبعده عن الصواب. وهكذا ما ذكره الإمام ابن حزم في كتابه «الفصل» في بحث «عصمة الملائكة» ففيه تكلف وتمحل غريب، كما يعلم بمراجعتهما.

وللراغب الأصفهاني احتمالات في تصحيح القصة، وتجويزات عجيبة تنبو عن الحق الصراح الذي آثرنا نقله أولا عن بعض المحققين. والله أعلم.

واعلم أن لفظ السحر، في عرف الشرع، مختص بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع، ومتى أطلق ولم يقيد، أفاد ذم

<<  <  ج: ص:  >  >>