للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على جواز وقوع الصغائر من الأنبياء، ما مثاله: وأما قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ الآية فقد أنفنا من ذلك. إذ لم يكن فيه معصية أصلا ولا خلاف فيما أمره الله تعالى به وأن ما كان أراده زواج. مباح له فعله ومباح له تركه ومباح له طيه ومباح له إظهاره. وإنما خشي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الناس في ذلك خوف أن يقولوا ويظنوا ظنا، فيهلكوا. كما

قال عليه السلام «١» للأنصاريين: إنها صفية.

فاستعظما ذلك، فأخبرهما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه إنما يخشى أن يلقي الشيطان في قلوبهما شيئا. وهذا الذي خشيه عليه السلام على الناس من هلاك أديانهم، بظن يظنونه به عليه السلام، هو الذي يحققه هؤلاء المخذولون المخالفون لنا في هذا الباب. وكان مراد الله عزّ وجلّ أن يبدي ما في نفسه، لما كان سلف في علمه من السعادة لأمنا زينب رضي الله عنها، انتهى.

الرابع- للإمام مفتي مصر رحمه الله مقالة على هذه الآية. رأيت نقلها هنا تعزيزا لما سلف، وإيقافا من أسرار الآية على نخب ما وصف.

قال رحمه الله: نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش. وهي بنت عمته صلّى الله عليه وسلّم أميمة بنت عبد المطلب. وقد خطبها الرسول على مولاه زيد بن حارثة. فأبت وأبى أخوها عبد الله بن جحش فنزلت آية وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ [الأحزاب: ٣٦] ، إلخ، فلما نزلت الآية قالا: رضينا يا رسول الله. فأنكحها إياه. وساق عنه إليها مهرها ستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدّا من طعام، وثلاثين صاعا من تمر.

كذا يروى.

فنحن من جهة، نرى أن زينب كانت بنت عمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ربيت تحت نظره وشملها من عنايته ما يشمل البنت مع والدها لأول الأمر. حتى أنه اختارها لمولاه زوجة. مع إبائها وإباء أخيها. وعدّ إباءها هذا عصيانا. ولا زالت كذلك حتى نزل في شأنها قرآن. فكأنه أرغمها على زواجه، لما ألهمه الله من المصلحة لها وللمسلمين في ذلك. ولو كان للجمال سلطان على قلبه صلّى الله عليه وسلّم، لكان أقوى سلطانه عليه جمال البكر في روائه، ونضرة جدته، وقد كان يراها ولم يكن بينه وبينها حجاب. ولا يخفى عليه شيء من محاسنها الظاهرة. ولكنه لم يرغبها لنفسه، ورغبها لمولاه،


(١) أخرجه البخاري في: الأحكام، ٢١- باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء، حديث رقم ١٠٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>