فكيف يمتد نظره إليها، ويصيب قلبه سهم حبها، بعد أن صارت زوجة لعبد من عبيده أنعم عليه بالعتق والحرية؟ لم يعرف فيما يغلب على مألوف البشر، أن تعظم شهوة القريب وولعه بالقريب، إلى أن تبلغ حد العشق، خصوصا إذا كان عشيره منذ صغره. بل المألوف زهادة الأقرباء بعضهم في بعض. متى تعوّد بعضهم النظر إلى بعض، من بداية السن إلى أن يبلغ حدّا منه يجول فيه نظر الشهوة. فكيف يظن أو يتوهم أن النبيّ الذي يقول الله له وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا [طه: ١٣١] ، يخالف مألوف العادة، ثم يخالف أمر الله في ذلك؟ أم كيف يخطر بالبال أن من عصم الله قلبه عن كل دنيئة، يغلب عليه سلطان شهوة في بنت عمته، بعد أن زوجها بنفسه لعبد من عبيده؟ ومن جهة أخرى ترى أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو الرؤوف الرحيم، لم يبال بإباء زينب ورغبتها عن زيد، وقد كان لا يخفى عليه أن نفور قلب المرأة من زوجها مما تسوء معه العشرة وتفسد به شؤون المعيشة. فما كان له- وهو سيد المصلحين- أن يرغم امرأة على الاقتران برجل وهي لا ترضاه، مع ما في ذلك من الضرر الظاهر بكل من الزوجين. لا ريب أننا نجد من ذلك هاديا إلى وجه الحق في فهم الآية التي نحن بصدد تفسيرها. ذلك أن التصاق الأدعياء بالبيوت واتصالهم بأنسابها، كان أمرا تدين به العرب وتعدّه أصلا يرجع إليه في الشرف والحسب. وكانوا يعطون الدعي جميع حقوق الابن، ويجرون له وعليه جميع الأحكام التي يعتبرونها للابن، حتى في الميراث وحرمة النسب وهي عقيدة جاهلية رديئة. أراد الله محوها بالإسلام، حتى في الميراث وحرمة النسب وهي عقيدة جاهلية رديئة. أراد الله محوها بالإسلام، حتى لا يعرف من النسب إلا الصريح ولا يجري من أحكامه إلا ماله أساس صحيح. لهذا أنزل الله وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب:
٤] ، ثم قال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: ٥] ، إلخ فهذا العدل الإلهي، أن لا ينال حقّ الابن إلا من يكون ابنا. أما المتبنّى واللصيق فلا يكون له إلا حق المولى والأخ في الدين. فحرّم الله على المسلمين أن ينسبوا الدعيّ لمن تبناه. وحظر عليهم أن يقتطعوا له شيئا من حقوق الابن لا قليلا ولا كثيرا. وشدّد الأمر حتى قال وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الأحزاب: ٥] ، فهو يعفو عن اللفظة تصدر من غير قصد بأن يقول الرجل لآخر: هذا ابني. أو ينادى شخص آخر بمثل ذلك. لا عن قصد التبنّي.
ولكنه لا يعفو عن العمد من ذلك، الذي يقصد منه الإلصاق بتلك اللحمة، كما كان معروفا من قبل. مضت سنة الله في خلقه، أن ما رسخ في النفس بحكم العادة،