التطويل لنقلت كلامه بحروفه. سبحان الله! كيف ساغ لقوم مسلمين أن يعتقدوا بمثل هذه الروايات، وقد علموا أنه الله لم يدع لنبيّه أن يعرض عن أبن أم مكتوم، ويتصدى لصناديد قريش طمعا في إسلامهم، حتى عاتبه على ذلك في قوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس: ١] ، إلى آخر الآيات، مع أن لم ينصرف عن الأعمى إلا لاشتغاله بما كان يعدّه في نفسه خيرا للدين، ولم يكن رغبة في جاه، ولا شرها إلى مال، ولا طموحا إلى لذة. فلو صحّت الرواية التي زعموها في شأن زينب، لكان العتاب على تلك التسبيحة، بمسمع من زينب، ثم على الزواج بعد الطلاق، كما أشار إليه في قصة داود عليه السلام. وما كان محمد صلّى الله عليه وسلّم في علوّ مقامه ورفعة منزلته من النبوّة، لتطمح نفسه إلى التلذذ ببنت عمته وزوجة مولاه، ولا أن يسمعها ما يدل على شغفه بها، ولا أن تضعف عزيمته عن قمع شهوته وكبح جماحها. وما كان رب محمد يعلّل شهوته، ويرفّه من هواه فيما يخالف أمره، وهو الذي نهاه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس من زهرة الحياة الدنيا، ومن زهرتها النساء. تسامى قدر محمد عن ذلك، وتعالى شأن ربه عن هذا علوّا كبيرا. أما والله! لولا ما أدخل الضعفاء أو المدلّسون من مثل هذه الرواية، ما خطر ببال مطلع على الآية الكريمة شيء مما يرمون إليه. فإن نص الآية ظاهر جليّ لا يحتمل معناه التأويل، ولا يذهب إلى النفس منه إلا أن العتاب كان على التمهل في الأمر، والتريث به. وأن الذي كان يخفيه في نفسه هو ذلك الأمر الإلهيّ الصادر إليه، بأن يهدم تلك العادة المتأصلة في نفوس العرب، وأن يتناول المعول لهدمها بنفسه. كما قدر له أن يهدم أصنامهم بيده لأول مرة عند فتح مكة. وكما هو شأنه في جميع ما نهى عنه من عاداتهم. وهذا الذي كان يخفيه في نفسه كان الله مبديه بأمره الذي أوحاه إليه في كتابه، وبتزويجه زوجة من كانوا يدعونه ابنا له، كما تقدم بيانه. ولم يكن يمنعه عن إبداء ما أبدى الله، إلا حياء الكريم، وتؤدة الحكيم، مع العلم بأنه سيفعل لا محالة، لكن مع معاونة الزمان.
ثم قال الإمام رحمه الله: أذكر لطيفة لبعض الأذكياء جرت بمحضر مني لدي أحد الأساتذة الأميركانيين، فجاء في الحديث ذكر قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: ٧] ، فقال الأميركي: حتى زينب زوجة زيد بن حارثة.
يشير بقوله هذا إلى تلك الحادثة، ويعرض بعشقه صلّى الله عليه وسلّم لزينب على ما زعموا، فقال له صاحبي: سبحان الله! إنكم تشتغلون بعلوم السموات والأرض، ولا تستعملون عقولكم في أقرب الأشياء إليكم. مع أنكم، في المشهور عنكم، من أشدّ الناس ولعا بالبحث في الأديان. إن الله أمر نبيه أن يتزوج زوجة من دعاه ابنا له، ليبيّن للناس