للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: ٣٧] ، وأكّد ذلك بالتصريح في نفي الشبهة بقوله ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ الآية. هذه هي الرواية الصحيحة والقولة الراجحة.

ثم قال: وأما ما

رووه من أن النبيّ مرّ ببيت زيد وهو غائب، فرأى زينب، فوقع منها في قلبه شيء، فقال: سبحان مقلب القلوب! فسمعت التسبيحة فنقلتها إلى زيد، فوقع في قلبه أن يطلقها

إلخ، ما حكوه- فقد قال الإمام أبو بكر بن العربيّ إنه لا يصح. وإن الناقلين له المحتجين به على مزاعمهم في فهم الآية، لم يقدروا مقام النبوّة حق قدره، ولم تصب عقولهم من معنى العصمة كنهها. وأطال في ذلك، وأذكر من كلامه ما يؤيد ما ذكرنا في شأن هذه الروايات.

قال، بعد الكلام في عصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وطهارته من العيب في زمن الجاهلية.

وبعد أن جاء الإسلام: وقد مهّدنا لك روايات كلها ساقطة الأسانيد. وإنما الصحيح «١» منها ما روي عن عائشة أنها قالت: لو كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ يعني بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ فأعتقته أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ إلى قوله وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [الأحزاب: ٣٧] ، وأن رسول الله لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، الآية. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلا، يقال له (زيد ابن محمد) . فأنزل الله ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب: ٥] ، يعني أنه أعدل عند الله قال القاضي:

وما وراء هذه الآية غير معتبر. فأما قولهم إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رآها، فوقعت في قلبه، فباطل.

فإنه كان معها في كل وقت وموضع. ولم يكن حينئذ حجاب. فكيف تنشأ معه وينشأ معها، ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه، إلا إذا كان لها زوج؟ وقد وهبته نفسها وكرهت غيره. فلم يخطر بباله. فكيف يتجدد هوى لم يكن! حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة. وقد قال سبحانه وتعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طه: ١٣١] ، والنساء أفتن الزهرات، وأنشر الرياحين، فيخالف هذا في المطلقات. فكيف في المنكوحات المحبوسات؟؟.

ثم ساق الكلام في نفس الآية على حسب ما صح في الواقعة. ولولا خوف


(١) أخرجه البخاري في: التوحيد، ٢٢- باب وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ، حديث ٢٠٣٢، عن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>