للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب والرغبة منهم، مما لا ينطبق على عقل ولا نقل، ولا يصدق على المعنى اللغويّ بوجه ما، وقد كتب في ذلك الإمام الشيخ محمد عبده فتيا، أبان وجه الصواب فيما تشابه من هذه المسألة. وذلك أنه سئل، رحمه الله، عمن يتوسل بالأنبياء، والأولياء، معتقدا أن النبيّ أو الوليّ يستميل إرادة الله تعالى عما هي عليه، كما هو المعروف للناس من معنى الشفاعة والجاه عند الحكام. وأن التوسل بهم إلى الله تعالى كالتوسل بأكابر الناس إلى الحكام.

فقال امرؤ: إن هذا مخلّ بالعقيدة وإن قياس التوسل إلى الله تعالى على التوسل بالحكام محال. وإن عقيدة التوحيد أن لا فاعل ولا نافع ولا ضار إلّا الله تعالى. وإنه لا يدعى معه أحد سواه. كما قال تعالى: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن: ١٨] ، وإن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإن كان أعظم منزلة عند الله تعالى من جميع البشر، وأعظم الناس جاها ومحبة، وأقربهم إليه، ليس له من الأمر شيء، ولا يملك للناس ضرّا ولا نفعا ولا رشدا ولا غيره. كما في نص القرآن. وإنما هو مبلّغ عن الله تعالى. ولا يتوسل إليه تعالى إلا بالعمل بما جاء على لسانه صلّى الله عليه وسلّم، واتباع ما كان عليه الصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون من هديه وسنته. وإنه لا سبب لجلب المنافع ودفع المضارّ إلا ما هدى الله الناس إليه. ولا معنى للتوسل بنبيّ أو وليّ إلا باتباعه والاقتداء به. يرشدنا إلى هذا كثير من الآيات الواردة في القرآن العظيم، كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] ، وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: ١٥٣] ، إلى غير ذلك من الآيات. هذا هو اعتقادي وهو الذي قلته للناس.

فإن كنتم ترون فيه خطأ فأرجو بيانه. وإن كان هو الصواب فأرجو إقراري عليه كتابة، لأدافع بذلك من أساء بي الظن.

فأجاب رحمه الله، بعد البسملة والحوقلة: اعتقادك هذا هو الاعتقاد الصحيح.

ولا يشوبه شوب من الخطأ. وهو ما يجب على كل مسلم يؤمن بما جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يعتقده. فإن الأساس الذي بنيت عليه رسالة النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم هو هذا المعنى من التوحيد. كما قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:

١- ٢] ، والصَّمَدُ هو الذي يقصد في الحاجات، ويتوجه إليه المربوبون في معونتهم على ما يطلبون، وإمدادهم بالقوة فيما تضعف عنه قواهم. والإتيان بالخبر على هذه الصورة يفيد الحصر. كما هو معروف عند أهل اللغة. فلا صمد إلا هو.

وقد أرشدنا إلى وجوب القصد إليه وحده بأصرح عبارة في قوله: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [البقرة: ١٨٦] ، وقد قال الشيخ محي

<<  <  ج: ص:  >  >>