وأشرفهم نسبا. وعن ابن مسعود أنهم كانوا تسعة. ويروى أنهم كانوا خمسة عشر، وروي ستين، وروي ثلاثمائة. وعن عكرمة أنهم كانوا اثني عشر ألفا. قال ابن كثير:
فلعل هذا الاختلاف دليل على تكرر وفادتهم عليه صلّى الله عليه وسلّم. ومما يدلّ على ذلك ما رواه البخاري «١» في صحيحه أن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما قال: ما سمعت عمر رضي الله عنه لشيء قط يقول: إني لأظنه هكذا، إلا كان كما يظن. بينما عمر بن الخطاب جالس، إذ مرّ به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم. عليّ الرجل. فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم. قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني! قال: كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يوما في السوق، جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟ قال عمر: صدق! بينما أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه، يقول: يا جليح! أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. قال فوثب القوم.
فقلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى: يا جليح! أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبيّ- هذا سياق البخاريّ- وقد رواه البيهقيّ من حديث ابن وهب بنحوه. ثم قال: وظاهر هذه الرواية يوهم أن عمر رضي الله عنه بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح. وكذلك هو صريح في رواية ضعيفة عن عمر رضي الله عنه. وسائر الروايات تدلّ على أن هذا الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه- والله أعلم-.
وهذا الرجل هو سواد بن قارب. قال البيهقيّ: وسواد بن قارب يشبه أن يكون هو الكاهن الذي لم يذكر اسمه في الحديث الصحيح. ثم
روى بسنده عن البراء قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: أيها الناس! أفيكم سواد بن قارب؟ قال، فلم يجبه أحد تلك السنة. فلما كانت السنة المقبلة قال: أيها الناس! أفيكم سواد بن قارب؟ قال، فقلت: يا أمير المؤمنين! وما سواد بن قارب؟ قال، فقال له عمر: إن سواد بن قارب كان بدء إسلامه شيئا عجيبا! قال:
فبينما نحن كذلك، إذ طلع سواد بن قارب. قال، فقال له عمر: يا سواد! حدثنا ببدء إسلامك كيف كان. قال سواد: فإني كنت نازلا بالهند، وكان لي رئيّ من الجن.
(١) أخرجه في: مناقب الأنصار، ٣٥- باب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حديث ١٨١٣. [.....]