قال: فبينا أنا ذات ليلة نائم إذا جاءني في منامي ذلك، قال: قم فافهم، واعقل إن كنت تعقل! قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب، ثم أنشأ يقول:
عجبت للجنّ وتحساسها ... وشدّها العيس بأحلاسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما خيّر الجنّ كأنجاسها
فانهض إلى الصّفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى رأسها
قال: ثم أنبهني فأفزعني وقال: يا سواد بن قارب! إن الله عزّ وجلّ بعث نبيّا، فانهض إليه تهتد وترشد. فلما كان من الليلة الثانية، أتاني فأنبهني، ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتطلابها ... وشدّها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... وليس قدماها كأذنابها
فانهض إلى الصّفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى قابها
فلما كان في الليلة الثالثة، أتاني فأنبهني، ثم قال:
عجبت للجن وتخبارها ... وشدّها العيس بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذوو الشّرّ كأخيارها
فانهض إلى الصّفوة من هاشم ... ما مؤمنو الجنّ ككفّارها
قال: فلما سمعته تكرر ليلة بعد ليلة، وقع في قلبي حب الإسلام من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما شاء الله. قال: فانطلقت إلى رحلي، فشددته على راحلتي، فما حللت نسعة، ولا عقدت أخرى، حتى أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هو بالمدينة- يعني مكة- والناس عليه كعرف الفرس، فلما رآني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: مرحبا بك يا سواد بن قارب، قد علمنا ما جاء بك. قال: قلت: يا رسول الله! قد قلت شعرا، فاسمعه مني! قال صلّى الله عليه وسلّم: قل يا سواد، فقلت:
أتاني رئيّي بعد ليل وهجعة ... ولم يك فيما قد بلوت بكاذب
ثلاث ليال، قوله كلّ ليلة: ... أتاك رسول من لؤيّ بن غالب
فشمّرت عن ساقي الإزار ووسّطت ... بي الدّعلب الوجناء بين السباسب
فأشهد أن الله لا ربّ غيره ... وأنك مأمون على كل غائب
وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله، يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل ... وإن كان فيما جاء شيب الذّوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب