وقيل: إن الكلام جملة واحدة، أخبر عن المؤمنين أنهم هم الصديقون والشهداء عند ربهم. وعلى هذا، فالشهداء هم الذين يستشهدهم الله على الناس يوم القيامة، وهي قوله: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] ، وهم المؤمنون، فوصفهم بأنهم صديقون في الدنيا، وشهداء على الناس يوم القيامة، ويكون الشهداء وصفا لجملة (المؤمنين الصديقين) .
وقيل: الشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله. وعلى هذا القول يترجح أن يكون الكلام جملتين، ويكون قوله: وَالشُّهَداءُ مبتدأ خبره ما بعده، لأنه ليس كل مؤمن صديق شهيدا في سبيل الله. ويرجحه أيضا أنه لو كان الشُّهَداءُ داخلا في جملة الخبر، لكان قوله لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ داخلا أيضا في جملة الخبر عنهم، ويكون قد أخبر عنهم بثلاثة أشياء:
أحدها- أنهم هم الصدّيقون.
والثاني- أنهم هم الشهداء.
والثالث- أن لهم أجرهم ونورهم.
وذلك يتضمن عطف الخبر الثاني على الأول، ثم ذكر الخبر الثالث مجردا عن العطف. وهذا كما تقول: زيد كريم وعالم له مال. والأحسن في هذا تناسب الأخبار، بأن تجردها كلها من العطف أو تعطفها جميعا، فقول. زيد كريم عالم له مال أو كريم وعالم وله مال، فتأمله! ويرجحه أيضا أن الكلام يصير جملا مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلقه السعداء، وهم الصديقون والشهداء والصالحون، وهم المذكورون في الآية، وهم المتصدقون الذين أقرضوا الله قرضا حسنا. فهؤلاء ثلاثة أصناف. ثم ذكر الرسل في قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ [الحديد:
٢٥] ، فيتناول ذلك الأصناف الأربعة المذكورة في سورة النساء فهؤلاء هم السعداء، ثم ذكر الأشقياء وهم نوعان: كفار ومنافقون، فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الآية، وذكر المنافقين في قوله تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ [الحديد: ١٣] الآية. فهؤلاء أصناف العالم كلهم. وترك سبحانه ذكر المخلّط صاحب الشائبتين، على طريق القرآن في ذكر السعداء والأشقياء، دون المخلطين غالبا، لسرّ اقتضته حكمته. فليحذر صاحب التخليط، فإنه لا ضمان له على الله، فلا هو من أهل وعده المطلق، ولا ييأس من روح الله، فإنه ليس من الكفار الذين قطع لهم بالعذاب، ولكنه بين الجنة والنار، واقف بين الوعد والوعيد، كل منهما يدعوه إلى موجبه لأنه أتى بسببه، وهذا هو الذي لحظه القائلون بالمنزلة بين المنزلتين، ولكن غلطوا في