لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْبِرَّ: اسم جامع للطاعات وأعمال الخير المقرّبة إلى الله تعالى، ومن هذا: برّ الوالدين، قال تعالى إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ
[الانفطار: ١٣- ١٤] فجعل البرّ ضدّ الفجور وقال وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ [المائدة: ٢] . فجعل البرّ ضدّ الإثم، فدلّ على أنه اسم عام لجميع ما يؤجر عليه الإنسان. أي: ليس الصلاح والطاعة والفعل المرضيّ في تزكية النفس- الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البرّ- هو أمر القبلة، ولكن البرّ- الذي يجب الاهتمام به- هو هذه الخصال التي عدّها جلّ شأنه.
ولا يبعد أن يكون بعض المؤمنين- عند نسخ القبلة وتحويلها- حصل منهم الاغتباط بهذه القبلة، وحصل منهم التشدّد في شأنها حتى ظنوا أنّه الغرض الأكبر في الدين. فبعثهم تعالى بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات. أشار لهذا الرازيّ.
وقال الراغب: الخطاب في هذه الآية للكفّار والمنافقين الذين أنكروا تغيير القبلة. وقيل: بل لهم وللمؤمنين حيث قد يرون أنهم نالوا البرّ كلّه بالتوجّه إليها.
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أي: إيمان من آمن بالله- الذي دعت إليه آية الوحدانية- فأثبت له صفات الكمال، ونزهه عن سمات النقصان. وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي كذب به المشركون، فاختلّ نظامهم ببغي بعضهم على بعض وَالْمَلائِكَةِ أي: وآمن بهم وبأنهم عباد مكرمون متوسطون بينه تعالى وبين رسله بإلقاء الوحي وإنزال الكتب وَالْكِتابِ أي: بحبس الكتاب. فيشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء التي من أفرادها: أشرفها وهو القرآن- المهيمن على ما قبله من الكتب- الذي انتهى إليه كلّ خير واشتمل على كلّ سعادة في الدنيا والآخرة. وَالنَّبِيِّينَ جميعا من غير تفرقة بين أحد منهم، كما فعل أهل الكتابين.
قال الحراليّ ففيه- أي الإيمان بهم وبما قبلهم- قهر النفس للإذعان لمن هو من جنسها، والإيمان بغيب من ليس من جنسها، ليكون في ذلك ما يزع النفس عن هواها.
وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أي: أخرجه وهو محبّ له راغب فيه، نصّ على ذلك:
ابن مسعود، وسعيد بن جبير، وغيرهما من السلف والخلف، كما