في القلب عند كل ركن وشرط من أعمال الصلاة، ما مثاله: وإذا قلت (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فاعلم أنه عدوك ومرصد لصرف قلبك الله عزّ وجلّ، حسدا لك على مناجاتك مع الله عزّ وجلّ، وسجودك له. مع أنه لعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها. وإن استعاذتك بالله سبحانه منه، بترك ما يحبه، بما يحب الله عزّ وجلّ ولا بمجرد قولك. فإن من قصده سبع أو عدو ليفترسه أو ليقتله فقال (أعوذ منك بهذا الحصن الحصين) وهو ثابت على مكانه ذلك لا ينفعه، بل لا يفيده إلا بتبديل المكان. فكذلك من يتبع الشخوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن، فلا يغنيه مجرد القول، فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عزّ وجلّ عن شر الشيطان. وحصنه (لا إله إلا الله) إذ قال عزّ وجلّ فيما أخبر عنه نبينا صلى الله عليه وسلم- ولا إله إلا الله حصني. فمن دخل حصني أمن من عذابي. والمتحصن به من لا معبود له سوى الله سبحانه. فأما من اتخذ إلهه هواه، فهو في ميدان الشيطان لا في حصن الله عزّ وجلّ. انتهى.
وملخصه أن التعوّذ ليس هو مجرد القول، بل القول عبارة عما كان للمتعوذ من ابتعاده بالفعل عما يتعوذ منه، فكان ترجمة لحالهم. وهذا المعنى كان يلوح لي من قبل أن أراه في كلام حجة الإسلام، حتى رأيته، فحمدت الله على الموافقة.
السابعة- قال الإمام الغزالي في (الإحياء) أيضا، في بيان تسلط الشيطان على القلب بالوسواس. ومعنى الوسوسة وسبب غلبتها، ما مثاله:
أعلم أن القلب في مثال قبة مضروبة لها أبواب تنصبّ إليه الأحوال من كل باب. ومثاله أيضا مثال هدف تنصبّ إليه السهام من الجوانب. أو هو مثال مرآة منصوبة تجتاز عليها أصناف السور المختلفة فتتراءى فيها صورة بعد صورة ولا يخلو عنها. أو مثال حوض نصبّ فيه مياه مختلفة من أنهار مفتوحة إليه. وإنما مداخل هذه الآثار المتجددة في القلب في كل حال، إما من الظاهر فالحواس الخمس. وإما من الباطن فالخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان. فإنه إذا أدرك بالحواس شيئا حصل منه أثر في القلب. وكذلك إذا هاجت الشهوة مثلا بسبب كثرة الأكل وسبب قوة من المزاج، حصل منها في القلب أثر. وإن كف عن الإحساس، فالخيالات الحاصلة في النفس تبقى وينتقل الخيال من شيء إلى شيء وبحسب انتقال الخيال ينتقل القلب من حال إلى حال آخر.