والمقصود أن القلب في التغير والتأثر دائما من هذه الأسباب، وأخص الآثار الحاصلة في الخواطر- وأعني الخواطر ما يحصل فيه من الأفكار والأذكار- وأعني به إدراكاته علوما، إما على سبيل التجدد وإما على سبيل التذكر. فإنها تسمى خواطر من حيث إنها تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها.
والخواطر هي المحركات للإرادات. فإن النية والعزم والإرادة إنما تكون بعد خطور المنوي بالبال لا محالة. فمبدأ الأفعال الخواطر. ثم الخاطر يحرك الرغبة، والرغبة تحرك العزم، والعزم يحرك النية، والنية تحرك الأعضاء. والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو للشر، أعنى إلى ما يضر في العاقبة. وإلى ما يدعو إلى الخير، أعني إلى ما ينفع في الدار الآخرة. فهما خاطران مختلفان. فافتقرا إلى اسمين مختلفين. فالخاطر المحمود يسمى إلهاما والخاطر المذموم، أعني الداعي إلى الشر، يسمى وسواسا. ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر حادثة. ثم إن كل حادث فلا بد له من محدث. ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب. هذا ما عرف من سنة الله تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب. فمهما استنارت حيطان البيت بنور النار، وأظلم سقفه واسودّ بالدخان، علمت أن سب السواد غير سبب الاستنارة.
وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان. فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكا. وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطانا. واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهام الخير يسمى توفيقا. والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواء وخذلانا. فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسام مختلفة. والملك عبارة عن خلق خلقه الله تعالى، شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالخير والأمر بالمعروف. وقد خلقه وسخره لذلك. والشيطان عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك. وهو الوعد بالشر والأمر بالفحشاء والتخويف، عند الهم بالخير، بالفقر.
فالوسوسة في مقابلة الإلهام. والشيطان في القابلة الملك، والتوفيق في مقابلة الخذلان.
ثم قال الغزالي: ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذكر ما سوى ما يوسوس به. لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان من قبل. ولكن كل شيء سوى الله تعالى، وسوى ما يتعلق به، فيجوز أيضا أن يكون مجالا للشيطان.
وذكر الله هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال. ولا يعالج الشيء