وقال سفيان بن عيينة: معناه: أنزل في فضله القرآن. وهذا اختيار الحسين بن الفضل، قال: ومثله أن يقال: أنزل الله في الصديق كذا آية، يريدون في فضله.
وقال ابن الأنباريّ: أنزل- في إيجاب صومه على الخلق- القرآن، كما يقال:
أنزل الله في الزكاة كذا وكذا، يريد في إيجابها، وأنزل في الخمر كذا يريد في تحريمها، والله أعلم.
قال الحراليّ: أشعرت الآية أنّ في الصوم حسن تلقّ لمعناه، ويسرا لتلاوته، ولذلك جمع فيه بين صوم النهار وتهجّد الليل، وهو صيغة مبالغة من (القرء) وهو ما جمع الكتب والصحف والألواح. انتهى.
وفي مدحه- بإنزاله فيه- مدح للقرآن به، من حيث أشعر أنّ من أعظم المقاصد بمشروعيته تصفية الفكر لأجل فهم القرآن، ليوقف على حقيقة ما اتبع هذا به من أوصافه التي قررت ما افتتحت به السورة، من أنّه لا ريب فيه، وأنه هدى، على وجه أعمّ من ذلك الأول. فقال تعالى: هُدىً لِلنَّاسِ نصب على الحال. وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ عطف على الحال قبله. فهي حال أيضا. والظرف صفة. أي:
أنزل حال كونه هداية للناس، وآيات واضحة مرشدة إلى الحقّ، فارقة بينه وبين الباطل. ولدفع سؤال التكرار في قوله وَبَيِّناتٍ.... إلخ بعد قوله هُدىً لِلنَّاسِ حمل بعض المفسرين الهدى الأول بواسطة النكرة على الهدى الذي لا يقدر قدره المختص بالقرآن أعني هدايته بإعجازه. والثاني على الهدى الحاصل باشتماله على الواضحات من أمر الدين، والفرقان بين الحلال والحرام والأحكام والحدود والخروج من الشبهات.
وثمّة وجه آخر نقله الرازيّ: وهو أن الْهُدى الثاني المراد به التوراة والإنجيل.
قال تعالى: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ [آل عمران: ٣- ٤] . فبين تعالى أن القرآن- مع كونه هدى في نفسه- ففيه أيضا هدى من الكتب المتقدمة التي هي هدى وفرقان، والله أعلم.
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر- أي: حضر فيه بأن كان مقيما في البلد حين دخل شهر رمضان وهو صحيح في بدنه- أن يصوم لا محالة. ووضع الظاهر موضع الضمير للتعظيم والمبالغة في