للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أن هذا غير مراد ولكنّ السلف والأئمة لم يكونوا يسمّون هذا ظاهرها فهذا القائل أخطأ حيث ظنّ أنّ هذا المعنى الفاسد ظاهر اللفظ حتى جعله محتاجا إلى تأويل، وحيث حكى عن السلف ما لم يريدوه. وإن كان القائل يعتقد أن ظاهر النصوص المتنازع في معناها من جنس ظاهر النصوص المتّفق على معناها، والظاهر هو المراد في الجميع، فإنّ الله لما أخبر أنّه بكلّ شيء عليم، وأنّه على كل شيء قدير، واتفق أهل السنّة وأئمة المسلمين على أنّ هذا على ظاهره، أن ظاهر ذلك مراد- كان من المعلوم أنهم لم يريدوا بهذا الظاهر أن يكون علمه كعلمنا وقدرته كقدرتنا.

وكذلك لما اتفقوا على أنه حيّ عالم حقيقة، قادر حقيقة لم يكن مرادهم أنه مثل المخلوق الذي هو حيّ عليم قدير. فإن كان المستمع يظنّ أن ظاهر الصفات تماثل صفات الخلوقين لزمه أن لا يكون شيء من ظاهر ذلك مرادا. وإن كان يعتقد أن ظاهرها ما يليق بالخالق ويختص به لم يكن له نفي هذا الظاهر، ونفي أن يكون مرادا إلّا بدليل يدل على النفي. وليس في العقل ولا السمع ما ينفي هذا إلّا من جنس ما ينفي به سائر الصفات، فيكون الكلام في الجميع واحدا.

وحينئذ فلا يجوز أن يقال: إنّ الظاهر غير مراد بهذا التفسير. وبالجملة، فمن قال: إن الظاهر غير مراد- بمعنى أن صفات المخلوقين غير مرادة- قلنا له: أصبت في المعنى ولكن أخطأت في اللفظ، وأوهمت البدعة، وجعلت للجهميّة طريقا إلى غرضهم، وكان يمكنك أن تقول: تمرّ كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأنّ صفات الله ليست كصفات المخلوقين، وأنّه منزّه مقدّس عن كلّ ما يلزم منه حدوثه أو نقصه. ومن قال: الظاهر غير مراد بالتفسير الثاني- وهو مراد الجهمية ومن تبعهم- فقد أخطأ. وإنما أتي من أخطأ من قبل أنه يتوهم- في بعض الصفات أو في كثير منها أو أكثرها أو كلّها- أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:

أحدها: كونه مثّل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظنّ أنّ مدلول النصوص هو التمثيل.

الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطّله، بقيت النصوص معطلة عما دلّت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله. فيبقى مع جنايته على النصوص وظنّه

<<  <  ج: ص:  >  >>