للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورضي الله عن الإمام مالك حيث قال: أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم، لجدل هذا؟ وكلّ من هؤلاء مخصوم بمثل ما خصم به الآخر. وهو من وجوه:

أحدها: بيان أنّ العقل لا يحيل ذلك.

والثاني: أنّ النصوص الواردة لا تحتمل التأويل.

الثالث: أنّ عامة هذه الأمور قد علم أنّ الرسول جاء بها بالاضطرار. كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان. فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويلات القرامطة والباطنية في الحجّ والصوم والصلاة وسائر ما جاءت به النبوات على أنّ الأساطين من هؤلاء الفحول معترفون بأنّ العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية. فإذا كان هكذا، فالواجب تلقّي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه، والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.

قال البقاعيّ: وتجلي الملائكة في ظلل من الغمام أمر مألوف. منه ما في الصحيح عن البراء رضي الله عنه قال «١» : كان رجل يقرأ سورة الكهف وإلى جانبه حصان مربوط بشطنين، فتغشته سحابة فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: تلك السكينة تنزلت بالقرآن!.

وعن أسيد بن حضير قال «٢» : بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس. فسكت فسكتت. فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس. ثم قرأ فجالت الفرس. فانصرف. وكان ابنه يحيى قريبا منها.

فأشفق أن تصيبه. فلما اجترّه رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها. فلما أصبح حدّث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير. قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا. فرفعت رأسي فانصرفت إليه. فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح. فخرجت حتى لا أراها.

قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا. قال: تلك الملائكة دنت لصوتك. ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها. لا تتوارى منهم.

وقال البقاعيّ أيضا: لمّا كان بنو إسرائيل أعلم الناس بظهور مجد الله في الغمام لما رأى أسلافهم منه عند خروجهم من مصر وفي جبل الطور وقبة الزمان وما


(١) أخرجه البخاريّ في: فضائل القرآن، ١١- باب فضل سورة الكهف.
(٢) أخرجه البخاري في: فضائل القرآن، ١٥- باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>