للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصادر. قال الأزهريّ: وقد أجمع كثير من أهل اللغة: أنّ (الكره والكره) لغتان، فبأيّ لغة وقع فجائز. إلا الفراء فإنه فرق بينهما بأنّ (الكره) بالضمّ ما أكرهت نفسك عليه، وبالفتح: ما أكرهك غيرك عليه. تقول: جئتك كرها، وأدخلتني كرها. وقال ابن سيده: الكره: الإباء والمشقة تتكلفها فتحتملها، وبالضمّ: المشقة تحتملها من غير أن تكلفها. يقال: فعل ذلك كرها وعلى كره. قال ابن برّي: ويدل لصحة قول الفراء قول الله عزّ وجلّ: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آل عمران: ٨٣] ، ولم يقرأ أحد بضم الكاف. وقال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، ولم يقرأ أحد بفتح الكاف. فيصير (الكره) بالفتح. فعل المضطر، و (الكره) بالضمّ: فعل المختار.

وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً- كالجهاد في سبيل الله تعالى- وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إذ فيه إحدى الحسنيين: إمّا الظفر والغنيمة، وإمّا الشهادة والجنة وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً- كالقعود عن الغزو- وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ لما فيه من الذل والفقر وحرمان الغنيمة والأجر وَاللَّهُ يَعْلَمُ- ما هو خير لكم وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذلك. فبادروا إلى ما يأمركم به وإن شقّ عليكم فهو رؤوف بالعباد لا يأمرهم إلا بخير.

قال الحرّالي: فنفي العلم عنهم بكلمة (لا) أي: التي هي للاستقبال حتى تفيد دوام الاستصحاب. وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا. قال: من حيث رتبة هذا الصنف من الناس من الأعراب وغيرهم، وأما المؤمنون- أي: الراسخون- فقد علّمهم الله من علمه ما علموا أنّ القتال خير لهم وأنّ التخلف شرّ لهم.

حتى إنّ علمهم ذلك أفاض على ألسنتهم ما يفيض الدموع وينير القلوب، حتى شاورهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في التوجه إلى غزوة بدر، فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال وأحسن ثم قام عمر رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله! لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: ٢٤] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فو الذي بعثك بالحقّ لو سرت إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه..! فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خيرا ودعا له، ثم

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أشيروا عليّ أيها الناس! فقال له سعد بن معاذ الأنصاريّ رضي الله عنه: والله! لكأنّك تريدنا يا رسول الله! قال: أجل. قال: فقد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا

<<  <  ج: ص:  >  >>