للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرض. ودعا لها أن لا تنكشف. وخيّرها بين الصبر والجنة، وبين الدعاء لها بالشفاء من غير ضمان. فاختارت الصبر والجنة. وفي ذلك دليل على جواز ترك المعالجة والتداوي. وإن علاج الأرواح بالدعوات والتوجه إلى الله يفعل ما لا يناله علاج الأطباء. وإن تأثيره وفعله وتأثير الطبيعة عنه وانفعالها أعظم من تأثير الأدوية البدنية وانفعال الطبيعة عنها. وقد جربنا هذا مرارا نحن وغيرنا. وعقلاء الأطباء معترفون بأن في فعل القوى النفسية وانفعالاتها في شفاء الأمراض عجائب. وما على الصناعة الطبية أضر من زنادقة القوم وسفلتهم وجهالهم. والظاهر أن صرع هذه المرأة كان من هذا النوع. ويجوز أن يكون من جهة الأرواح. ويكون رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد خيّرها بين الصبر على ذلك مع الجنة. وبين الدعاء لها بالشفاء. فاختارت الصبر والستر. والله أعلم.

ذلِكَ أي القيام المخبط بِأَنَّهُمْ قالُوا أي بسبب قولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا أي نظيره في أن كلّا منهما معاوضة. فإن قلت: هلا قيل إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع. وحل البيع متفق عليه. فيقاس عليه الربا. وحق القياس أن يشبه محل الخلاف بمحل الوفاق؟ أجيب بأنه جيء به على طريق المبالغة. وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل. حتى شبهوا به البيع. كذا أجاب الزمخشريّ.

قال الناصر في (حواشيه) : وعندي وجه في الجواب غير ما ذكر. وهو أنه متى كان المطلوب التسوية بين المحلين في ثبوت الحكم، فللقائل أن يسوي بينهما طردا. فيقول مثلا: الربا مثل البيع. وغرضه من ذلك أن يقول والبيع حلال فالربا حلال. وله أن يسوى بينهما في العكس فيقول: البيع مثل الربا. فلو كان الربا حراما كان البيع حراما. ضرورة المماثلة. ونتيجته التي دلت قوة الكلام عليها أن يقول:

ولما كان البيع حلالا اتفاقا غير حرام، وجب أن يكون الربا مثله. والأول على طريقة قياس الطرد. والثاني على طريقة العكس. ومآلهما إلى مقصد واحد. فلا حاجة، على هذا التقرير، إلى خروج عن الظاهر لعذر المبالغة أو غيره. وليس الغرض من هذا كله إلا بيان هذا الذي تخيلوه على أنموذج النظم الصحيح. وإن كان قياسا فاسد الوضع، لاستعماله على مناقضة المعلوم من حكم الله أيضا في تحريم الربا وتحليل البيع وقطع القياس بينهما. ولكن إذا استعمل الطريقتين المذكورتين استعمالا صحيحا فقل في الأولى: النبيذ مثل الخمر في علة التحريم. وهو الإسكار. والخمر حرام.

فالنبيذ حرام. وقل في الثانية: إنما الخمر مثل النبيذ. فلو كان النبيذ حلالا لكان

<<  <  ج: ص:  >  >>