ويعارضون أيضا بما ينفي به أهل التعطيل الذات من الشبه الفاسدة، ويلزمون بوجود الرب الخالق المعلوم بالفطرة الخلقية، والضرورة العقلية، والقواطع العقلية، واتفاق الأمم، وغير ذلك من الدلائل. ثم يطالبون بوجود من جنس ما نعهده، أو بوجود يعلمون كيفيته، فلا بد أن يفروا إلى إثبات ما لا تشبه حقيقته الحقائق.
فالقول في سائر ما سمي ووصف به نفسه، كالقول في نفسه سبحانه وتعالى.
ونكتة هذا الكلام أن غالب من نفى وأثبت شيئا مما دل عليه الكتاب والسنة، لا بد أن يثبت الشيء لقيام المقتضى، وانتفاء المانع. وينفي الشيء لوجود المانع أو لعدم المقتضى، أو يتوقف إذا لم يكن عنده مقتض ولا مانع، فيبيّن له أن المقتضى فيما نفاه قائم، كما أنه فيما أثبته قائم. إما من كل وجه، أو من وجه يجب به الإثبات. فإن كان المقتضى هناك حقّا، فكذلك هنا. وإلا فدرء ذاك المقتضى من جنس درء هذا. وأما المانع فيبين أن المانع الذي تخيله فيما نفاه من جنس المانع الذي تخيله فيما أثبته، فإذا كان ذلك المانع المستحيل موجودا على التقديرين لم ينج من محذوره بإثبات أحدهما ونفي الآخر، فإنه إن كان حقّا نفاهما، وإن كان باطلا لم ينف واحدا منهما، فعليه أن يسوي بين الأمرين في الإثبات والنفي، ولا سبيل إلى النفي فتعين الإثبات. فهذه نكتة الإلزام لمن أثبت شيئا. وما من أحد إلا ولا بد أن يثبت شيئا أو يجب عليه إثباته، فهذا يعطيك من حيث الجملة أن اللوازم التي يدعي أنها موجبة النفي خيالات غير صحيحة، وإن لم يعرف فسادها على التفصيل، وأما من حيث التفصيل فيبين فساد المانع وقيام المقتضى كما قرر هذا غيره مرة.
فإن قال من أثبت هذه الصفات التي هي فينا أعراض كالحياة والعلم والقدرة، ولم يثبت ما هو فيها أبعاض كاليد والقدم: هذه أجزاء وأبعاض تستلزم التركيب والتجسيم. قيل له: وتلك أعراض تستلزم التجسيم والتركيب العقليّ كما استلزمت هذه عندك التركيب الحسيّ. فإن أثبت تلك على وجه لا تكون أعراضا أو تسميتها أعراضا لا يمنع ثبوتها، قيل له: وأثبت هذه على وجه لا تكون تركيبا وأبعاضا أو تسميتها تركيبا وأبعاضا لا يمنع ثبوتها.
فإن قال: هذه لا يعقل منها إلا الأجزاء، قيل له: وتلك لا يعقل منها إلا الأعراض.
فإن قال: العرض ما لا يبقى وصفات الرب باقية. قيل: والبعض ما جاز انفصاله